خطة إبليسية!

  • 94

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فهناك خطة إبليسية وقعت مع الأبوين عليهما السلام، ولا زالت تمارس وتكرر مع الذرية، وهي: أن يترك العبد بحبوحة الحلال ويخرج منها إلى تعاسة الحرام وشقائه وضيقه، فالمعاملات الحلال أضعاف أضعاف ما حرَّم الله من المعاملة، ومع ذلك تجد بعض الناس يحشر نفسه في زاوية ضيقة في معاملة ربوية يظن أنه لا مخرج إلا بها ومنها، والأطعمة الحلال لا حصر لها مقارنة بما حرم الله ويأبى بعض الناس إلا تناول الحرام، بل ويراه الأشهى والألذ! والعلاقات الحلال مكفولة ومتاحة بضوابطها الشرعية، ويعرض عنها كثيرٌ من الناس حيث مستنقع الحرام الآسن لممارسة الفواحش. 

وهكذا في سائر أبواب الدين وتجد اللعين الشيطان الرجيم يزين للناس الزلل والخروج من ساحة الحلال الفسيحة اللاحبة إلى دائرة الحرام الضيقة زاعمًا لهم أن فيها المخرج، ومعها السعادة والهناء، وهذا عين ما فعل مع الأبوين! قال الله تعالى عما كان من فعل اللعين معهما: "‌فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"، فأخرجهما مما كانا فيه من اللباس والمنزل الرحب، والرزق الهنيء والراحة!

فلنحذر تلك اللحظة الماكرة، فإن في الحلال الهناء والسعادة، والراحة، وفي الحرام الشقاء والتعاسة، وهذه قصة واقعية تترجم ذلك:

تقول صاحبة القصة: "كنا معًا في أطيب حال، وأهنأ بال، كنا زوجين سعيدين، متعاونين على طاعة الله، وعندنا القناعة والرضا، طفلتنا مصباح الدار، كركراتها تفتق الزهور، إنها ريحانة تهتز. 

فإذا جنَّ علينا الليل ونامت الصغيرة قمت معه نسبح الله، يؤمني ويرتل القرآن ترتيلًا، وتصلي معنا الدموع في سكينة وخشوع، وكأني أسمعها وهي تفيض قائلة: أنا إيمان فلان وفلانة. 

وذات يوم أردنا أن تكثر فيه الفلوس، فاقترحت على زوجي أن نشتري أسهمًا ربوية، لتكثر منها الأموال، فندخرها للعيال، فوضعنا فيها كل ما نملك حتى حليّ (الشبكة). 

ثم انخفضت أسهم السوق، وأحسسنا بالهلكة فأصبح الدينار فلسًا، وشربنا من الهموم كأسًا، وكثرت علينا الديون والتبعات، وعلمنا أن الله يمحق الربا ويربي الصدقات. 

وفي ليلة حزينة خوت فيها الخزينة تشاجرت مع زوجي، فطلبت منه الطلاق، فصاح: أنتِ طالق، أنتِ طالق، فبكيت وبكت الصغيرة، وعبر الدموع الجارية تذكر جيدًا: يوم أن جمعتنا الطاعة وفرقتنا المعصية!". 

فلنحذر أن يوقعنا الشيطان في هذه الخطة، ولنلتزم حدود ما أحل الله عز وجل، ولنترك الحرام، فإن الشقاء كل الشقاء في ارتكاب ما حرَّم الله.