"علم وتوكل وقوة رأي".. "داعية" يوضح ما يجب توافره لتحصيل قوة الإرادة ونفاذ العزيمة

قوة الإرادة هي قوة العزيمة التي تحمل صاحبها على استسهال الصعاب ومواجهة الفتن والشبهات

  • 37
الفتح - الداعية الإسلامي سعيد محمود

قال الداعية الإسلامي سعيد محمود: إن قوة الإرادة هي قوة العزيمة التي تحمل صاحبها على استسهال الصعاب، واقتحام الشدائد ومواجهة الفتن والشبهات؛ لنيل غرضه المطلوب من معالي الأمور، وهي صفة محمودة في الشرع، حتى أمر الله بها أكمل الناس محمدا -صلي الله عليه وسلم- فقال تعالي: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] وأثني على أهلها، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45]، والأيدي هي القوة في الرأي والعزيمة في الأمر.


أهمية الإرادة القوية

وأضاف "محمود" -في مقال له بعنوان "قوة الإرادة" نشرته جريدة الفتح-: أصحاب الإرادات القوية تتحقق لهم المطالب العالية لما يتصفون به من الإقدام وقوة العزيمة، بخلاف أصحاب الإرادات الضعيفة والعزائم الرخوة؛ فإنه لا يكاد يتحقق لهم مراد، فإنهم كلما هموا بأمر فجاءت الصعاب والشدائد والفتن والشبهات تراجعوا وخارت عزائمهم إيثارا للراحة أو للسلامة كما يتأوله بعضهم؛ لذلك لا يكاد يتحقق لهم مراد.


صاحب العزيمة القوية

وأوضح أن الإرادات القوية والعزائم النافذة، فلا تجلب إلا المطالب العالية والمكاسب السامية، ولقد ضرب النبي -صلي الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في قوة الإرادة ونفاذ العزيمة، فها هو في مكة يتحدى خصومة في ثبات وعزيمة على ألا يترك ما هو عليه ولو فعلوا المستحيل، فعن عقيل بن أبي طالب قال: أتت قريش إلى أبى طالب عم النبى -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا أبا طالب، أرأيت محمدا يؤذينا فى نادينا وفى مسجدنا، فانهه عن ذلك. فقال يا عقيل، ائتنى بمحمد، قال فذهبت فأتيته به، فقال: يا ابن أخى إن بنى عمك زعموا أنك تؤذيهم فى ناديهم ومسجدهم فانته عن ذلك، قال: فلحظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببصره إلى السماء فقال: "ما أنا بأقدر على أن أرد ذلك منكم على أن تشعلوا منها شعلة يعنى الشمس"، فقال أبو طالب: والله ما كذبني ابن أخى قط، فارجعوا (رواه البخاري في التاريخ الكبير وحسنه الألباني).


أمثلة لأصحاب الإرادات والعزيمة القوية 

وتابع "محمود": لما مات النبي -صلي الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنع بعضهم الزكاة واشرئب النفاق، فقال الصحابة لأبى بكر "إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك وليس ينبغى لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين"، فقال: والذى نفس أبى بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفنى لأنفذت جيش أسامة كما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو لم يبق فى القرى غيرى لأنفذته.

واستطرد: ومن الأمثلة الرائعة أيضا ما كان من قوة إرادة الإمام أحمد ونفاذ عزيمته يوم فتنة "خَلْق القرآن"، وقد ضعف الناس عن مواجهة الأمراء المتبنين للبدعة، حتى إن من العلماء من انزوى صيانة لعرضه ونفسه من الفتنة التي لا يتحملها، لكن كان الإمام أحمد قويا، ثابت الرأي لا يتردد حتى نصر الله به الدين والسنة.


تنبيهات حول "قوة الإرادة"

وقدّم الداعية الإسلامي بعض التنبيهات المهمة حول معني "قوة الإرادة" حتى ينضبط المعني:

1- ليس من قوة الإرادة الإقدام بلا علم شرعي: قال تعالى: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار"  (فالأيدى: هى القوة، والإبصار: هى البصيرة فى الدين).

2-  الحذر من التردد؛ فإنه يفسد الأمر ويضيع الرأى، يقول الشاعر:

إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأى أن تترددا.

ومثاله: رفض النبى -صلى الله عليه وسلم- تردد الشباب يوم أحد بين الخروج والبقاء؛ لما فيه من فساد الأمر، قال -صلى الله عليه و سلم-: "إنه ليس لنبى إذا لبس لأَمَتَه أن يضهعا حتى يقاتل" (رواه أحمد).

3- قوة الإرادة والعزيمة فضل ومنة من الله ترجى بكثرة تعلق القلب بالله، قال تعالى: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران: 159).

واختتم قائلًا: خلاصة الأمر فى تحصيل قوة الإرادة ونفاذ العزيمة اجتماع هذه الثلاث: "علم وتوكل وقوة رأى".