عاجل

:: مفاهيم :: الشرع لم يمنع العاطفة.. لكنه ضبطها

  • 212

لم يأت الشرع كابتا للعواطف أو قاتلاً للمشاعر؛ ولم يكن الفارق بين الملتزم بقواعد الشرع والمتحلل منها انعدام مشاعر الأول في مقابلة تدفق مشاعر الثاني، إذ أن الشرع لم يَحُلْ ابتداءا بين المرء وقلبه في أصل العاطفة ومنشأها حبا كانت أم بغضا؛ غضبا أو سرورا، إنما ميَّز المنقادين لأحكامه بضبطهم لهذه العواطف وتلك المشاعرإذا ما أرادوا التعبير عنها أو البوح بها. 


اشتد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبعوث مسيلمة الكذاب إليه؛ إذ يقف متبجحا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يُسمعه أن نصف الأرض لمسيلمة ونصفها الآخر لرسول الله؛ وأن مسيلمة نبي يُوحى إليه مثلما أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي يوحى إليه، فردَّ يومها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: "لولا أن الرسل - يعني السفراء - لا تُقتل لقتلتك" أي ما منعه من إنفاذ مشاعر غضبه التي تُملي في هذه اللحظة قتل هذا المبعوث جزاء مقالته السوء؛ ما منعه من ذلك إلا أن شرعنا قد نهانا عن قتل السُفراء.

وكانت مشاعر أسامة بن زيد صادقة لا ريب وهو يُجهز على رجل أثخن في المسلمين الجراح ثم لما سقط سيفه من يده ينطق بالشهادة جازعا من الموت، كان أسامة رضي الله عنه واثقا متبعا لعاطفة تتناغم مع سياق الحدث، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكترث بجوابه: "إنما قالها لينجو يا رسول الله" بل ظل يُردد على مسامعه: "وما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟"، الشرع لم يلمه على ابتداء عاطفته؛ لكنه عاتبه على إنفاذها وما كان له أن يفعل طالما تمنعه قواعد الشرع من الحكم إلا على ظاهر الناس "أفلا شققت عن صدره؟".