أصناف من يُقاتَلون من أهل الإسلام (1) "محاولة للتوصيف"

  • 266

قد بينا فيما سبق بالأدلة عظم دم المسلم، بل ودم غير المسلم المعصوم... وفي هذا المقال نبين أصناف من يقاتلون من أهل الإسلام، ومتى يكون قتالهم بحق ومتى لا يكون بحق؛ لتوصيف الواقع توصيفا صحيحا، ومحاولة لحقن الدماء، فإن كانت صوابا فمن الله، وإن كانت غير ذلك فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان. فاللهم وفقني وسددني!

أما القتل بحق (ولا بد من حاكم لإقامته) فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة) (صحيح).

- وهل الإكراه على القتل من القتل بحق؟

قال ابن حجر رحمه الله: "الإكراه: هو إلزام الغير بما لا يريده، وشروط الإكراه أربعة:

الأول- أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار.

الثاني- أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.

الثالث- أن يكون ما هدده به فوريا، فلو قال إن لم تفعل كذا ضربتك غدا لا يعد مكرها. ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لا يخلف.

الرابع- أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره، كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول أنزلت فيتمادى حتى ينزل، وكمن قيل له طلق ثلاثا فطلق واحدة وكذا عكسه.

ولا فرق بين الإكراه على القول والفعل عند الجمهور، ويستثنى من الفعل ما هو محرم على التأبيد كقتل النفس بغير حق، واختلف في المكره هل يكلف بترك فعل ما أكره عليه أو لا؟

فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: انعقد الإجماع على أن المكره على القتل مأمور باجتناب القتل والدفع عن نفسه، وأنه يأثم إن قتل من أكره على قتله؛ وذلك يدل على أنه مكلف حالة الإكراه، وكذا وقع في كلام الغزالي وغيره، ومقتضى كلامهم تخصيص الخلاف بما إذا وافق داعية الإكراه داعية الشرع كالإكراه على قتل الكافر وإكراهه على الإسلام". "فتح الباري" (12/390 ).

وقال في موطن آخر: "لا يسقط القصاص عن القاتل ولو أكره؛ لأنه آثر نفسه علي نفس المقتول، ولا يجوز لأحد أن ينجي نفسه من القتل بأن يقتل غيره" السابق (8/394 ).

-  وبناء على هذا الإجماع فلا يجوز لأحد أن يقتل نفسا معصومة ظلما، وإن أكره فليدفع عن نفسه بأي طريقة حتى ولو بالسجن، فإن عجز فليكن عبد الله المقتول ولا يكن عبد الله القاتل، وكذلك من أحضر في قتال فتنة أو لدنيا.

- وأما المكرِه فيُقتل أيضا؛ جاء في "موسوعة الفقه" ما يلي: "إذا أكره أحد شخصًا إكراها ملجئا بأن هدده بالقتل إن لم يقتل فلانا؛ فقتله بغير وجه حق فيجب القصاص عليهما، الآمر المُكْرِه، والمباشر المُكْرَه؛ لأنهما بمنزلة الشريكين في الجريمة". الآمر بقصده الكامل للقتل العمد، والمأمور بمباشرته القتل، واستبقاء حياته بقتل غيره ."271".

- وأما القتال بحق فأنواع منها: القتال دفاعا عن النفس والمال والعرض:

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"ومن صال على نفسه من يريد قتله أو صال على حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته من يريد هتك أعراضهن، أو صال على ماله من يريد أخذه أو إتلافه؛ فله الدفع عن ذلك، سواء كان الصائل آدميا أو بهيمة، فيدفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه؛ لأنه لو منع من الدفع لأدى ذلك إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله؛ ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض، وإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل، فله قتله، ولا ضمان عليه؛ لأنه قتله لدفع شره، وإن قُتل المصول عليه فهو شهيد لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ‏(‏من أريد ماله بغير حق فقاتل، فقتل؛ فهو شهيد‏) أخرجه البخاري ومسلم. " الملخص الفقهي  ( 2 / 443).

-ومن القتال بحق: قتال البغاة

- قال ابن قدامة رحمه الله في أصناف من يقاتلون من أهل الإسلام: " الصنف الرابع: قوم من أهل الحق، يخرجون عن قبضة الإمام، ويرومون خلعه لتأويل سائغ، وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش، فهؤلاء البغاة الذين نذكر في هذا الباب حكمهم، وواجب على الناس معونة إمامهم في قتال البغاة؛ ولأنهم لو تركوا معونته، لقهره أهل البغي، وظهر الفساد في الأرض...." "المغني" (12/71).

- وقال أيضا: " الأصل في قتالهم قول الله سبحانه: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 9و10).

ففيها خمس فوائد: أحدها- أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان، فإنه سماهم مؤمنين.
الثانية- أنه أوجب قتالهم.
الثالثة- أنه أسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله.
الرابعة- أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم.
الخامسة- أن الآية أفادت جواز قتال كل من منع حقا عليه.

وروى عبد الله بن عمرو وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أعطى إماما صفقة يده، وثمرة فؤاده، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر). رواه مسلم.

فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه وقتاله؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59)،  وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة، فإن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة، وعلي رضي الله عنه قاتل أهل الجمل وصفين وأهل النهروان.السابق (12/64 ).

قلت: اتفق الصحابة على قتال مانعي الزكاة، أما توصيفهم ببغاة فقد وقع فيه الخلاف بعد، وأما المساواة في التوصيف بين أهل الجمل وصفين من جانب، وبين أهل النهروان فقد وقع فيه خلاف بين العلماء،سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

وصف الإمام الذي يعان:

قال ابن قدامة رحمه الله: "ومن اتفق المسلمون على إمامته وبيعته، ثبتت إمامته، ووجبت معونته؛ لما ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه، من ثبتت إمامته بعهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعهد إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمع الصحابة على قبوله". 

وصف من تغلب وهل يعان؟

ولو خرج رجل على الإمام  فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له، وأذعنوا بطاعته، وبايعوه، صار إماما يحرم قتاله، والخروج عليه؛ فإن عبد الملك بن مروان ، خرج على ابن الزبير فقتله  واستولى على البلاد وأهلها، حتى بايعوه طوعا وكرها، فصار إماما يحرم الخروج عليه؛ وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالهم، ويدخل الخارج عليه في عموم قوله عليه السلام: " مَنِ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ جَمِيعٌ فاقتلوه كائنا ما كان " (صحيح). فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيا، وجب قتاله". "المغني12/72"

- (وقتالهم لا يكون إلا بشروط)

قال ابن قدامة:
"ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم، ويكشف لهم الصواب، إلا أن يخاف كَلَبَهم؛ فلا يمكن ذلك في حقهم، فأما إن أمكن تعريفهم، عرفهم ذلك، وأزال ما يذكرونه من المظالم، وأزال حججهم، (قلت وهذا شرط مهم جدا ليُعان، وإلا فلا يجوز عونه علي ظلمه، قال الإمام مالك رحمه الله: "دعه وما يراد منه ينتقم الله من الظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما.

فإن لجوا، قاتلهم حينئذ؛ لأن الله تعالى بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال، فقال سبحانه: )وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات: 9)، يروى أن عليا رضي الله عنه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل، ثم أمر أصحابه أن لا يبدؤوهم بالقتال، ثم قال: إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة. ثم سمعهم يقولون: الله أكبر، يا ثارات عثمان. فقال: اللهم أكب قتلة عثمان لوجههم. 

وروى عبد الله بن شداد بن الهاد، أن عليا لما اعتزلته الحرورية (الخوارج)، بعث إليهم عبد الله بن عباس ، فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف؛ فإن أبوا الرجوع وعظهم، وخوفهم القتال؛ وإنما كان كذلك لأن المقصود كفهم، ودفع شرهم، لا قتلهم، فإذا أمكن بمجرد القول، كان أولى من القتال؛ لما فيه من الضرر بالفريقين. فإن سألوا الإنظار، نظر في حالهم، وبحث عن أمرهم، فإن بان له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة ومعرفة الحق أمهلهم.
قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم.

- وإن كان قصدهم الاجتماع على قتاله، وانتظار مدد يتقوون به، أو خديعة الإمام، أو ليأخذوه على غرة، ويفترق عسكره، لم ينظرهم  وعاجلهم؛ لأنه لا يأمن من أن يصير هذا طريقا إلى قهر أهل العدل، ولا يجوز هذا.

- وإن أعطوه عليه مالا؛ لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على إقرارهم على ما لا يجوز إقرارهم عليه.

- وإن بذل له رهائن على إنظارهم، لم يجز أخذها لذلك؛ ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم، فلا يفيد شيئا.

- وإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل، وأعطوا بذلك رهائن منهم، قبلهم الإمام  واستظهر للمسلمين، فإن أطلقوا أسرى المسلمين الذين عندهم، أطلقت رهائنهم، وإن قتلوا من عندهم، لم يجز قتل رهائنهم؛ لأنهم لا يقتلون بقتل غيرهم، فإذا انقضت الحرب، خلى الرهائن كما تخلى الأسارى منهم.

- وإن خاف الإمام على الفئة العادلة الضعف عنهم، أخر قتالهم إلى أن تمكنه القوة عليهم؛ لأنه لا يؤمن الاصطلام والاستئصال، فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل، ثم يقاتلهم.

- وإن سألوه أن ينظرهم أبدا، ويدعهم وما هم عليه، ويكفوا عن المسلمين، نظرت، فإن لم يعلم قوته عليهم، وخاف قهرهم له إن قاتلهم  تركهم؛ وإن قوي عليهم، لم يجز إقرارهم على ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يترك بعض المسلمين طاعة الإمام، ولا تؤمن قوة شوكتهم، بحيث يفضي إلى قهر الإمام العادل ومن معه.

- ثم إن أمكن دفعهم بدون القتل، لم يجز قتلهم؛ لأن المقصود دفعهم لا قتلهم؛ ولأن المقصود إذا حصل بدون القتل، لم يجز القتل من غير حاجة.

- وقال: "ولا يقاتل البغاة بما يعم إتلافه كالنار والمنجنيق والتغريق من غير ضرورة؛ لأنه لا يجوز قتل من لا يقاتل، وما يعم إتلافه يقع على من يقاتل ومن لا يقاتل، فإن دعت إلى ذلك ضرورة، مثل أن يحتاط بهم البغاة (أي: بمن لا يقاتل من نساء وأطفال ورجال )، ولا يمكنهم التخلص إلا برميهم بما يعم إتلافه، جاز ذلك. وهذا قول الشافعي .

وقال أبو حنيفة: إذا تحصن الخوارج، فاحتاج الإمام إلى رميهم بالمنجنيق، فعل ذلك بهم ما كان لهم عسكر، وما لم ينهزموا، وإن رماهم البغاة بالمنجنيق والنار، جاز رميهم بمثله."السابق بتصرف (12/73: 77).

- وقال أيضا: " إذا لم يمكن دفع أهل البغي إلا بقتلهم، جاز قتلهم، ولا شيء على من قتلهم؛ من إثم ولا ضمان ولا كفارة؛ لأنه فعل ما أمر به، وقتل من أحل الله قتله، وأمر بمقاتلته، وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغي حال الحرب، من المال، لا ضمان فيه؛ لأنهم إذا لم يضمنوا الأنفس فالأموال أولى؛ وإن قتل العادل كان شهيدا؛ لأنه قتل في قتال أمر الله تعالى به بقوله:  (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي).

- وإذا ترك أهل البغي القتال، إما بالرجوع إلى الطاعة، وإما بإلقاء السلاح، وإما بالهزيمة إلى فئة أو إلى غير فئة، وإما بالعجز؛ لجراح أو مرض أو أسر، فإنه يحرم قتلهم، واتباع مدبرهم. وبهذا قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة:  "إذا هزموا ولا فئة لهم كقولنا، وإن كانت لهم فئة يلجئون إليها، جاز قتل مدبرهم وأسيرهم، والإجازة على جريحهم، وإن لم يكن لهم فئة، لم يقتلوا، لكن يضربون ضربا وجيعا، ويحبسون حتى يقلعوا عما هم عليه، ويحدثوا توبة". ذكروا هذا في الخوارج. ويروى عن ابن عباس نحو هذا، واختاره بعض أصحاب الشافعي لأنه متى لم يقتلهم اجتمعوا ثم عادوا إلى المحاربة.

ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل: "لا يذفف على جريح، ولا يهتك ستر، ولا يفتح باب، ومن أغلق بابا أو بابه فهو آمن، ولا يتبع مدبر". وقد روي نحو ذلك عن عمار .

وعن علي رضي الله عنه أنه وَدَى قوما من بيت مال المسلمين، قتلوا مدبرين "المغني" (12/64: 93) بتصرف.

وقول الإمام أبي حنيفة فيه قوة، قال شيخ الإسلام: "ولهذا قالت طائفة من الفقهاء: إن منهزم البغاة يقتل إذا كان له طائفة يأوي إليها؛ فيخاف عوده بخلاف المثخن بالجرح فإنه لا يقتل"؛ وسببه أن هذا انكف شره، والمنهزم لم ينكف شره."الفتاوى" (35/52).

نخلص من هذا العرض إلي أن الإمام العدل الذي توافرت فيه شروط الإمامة إن قاتل البغاة بالشروط والتدريج الذي علمه الإمام الراشد علي رضي الله عنه؛ أنه لا يضمن دمهم ولا مالهم ولا من باشر ذلك أو تسبب أو رضي لأنه قتال بحق، وكذا المتغلب وإن لم تتوافر فيه شروط الإمامة، قال الدسوقي في "حاشيته": " اعلم أن الإمامة العظمى تثبت بأحد أمور ثلاثة: إما بإيصاء الخليفة الأول لمتأهل لها، وإما بالتغلب على الناس؛ لأن من اشتدت وطأته بالتغلب وجبت طاعته ولا يراعى في هذا شروط الإمامة؛ إذ المدار على درء المفاسد وارتكاب أخف الضررين، وإما بيعة أهل الحل والعقد".

ثم ليس الواقع المعاصر ممن تنطبق عليه هذه الأحكام؛ لأن توصيف الرئيس في الدولة الدستورية الحديثة يختلف عن توصيف الإمام الشرعي، وكذا من خرج متظاهرا تظاهرا سلميا يختلف عن توصيف الباغي والخارجي؛ لأن الدستور يكفل له ذلك، وليس حقا للرئيس أن يخلط بين العقدين فيطلب من الشعب أن يخرج لقتال المتظاهرين السلميين استدلالا بحديث: "من أتاكم وأمركم جميع....".الحديث؛ ولقد كان لهذا الخلط سبب كبير في هذه الفتن التي تمر بها بلدنا إلي الآن.

كذا من تغلب بالمفهوم المعاصر بثورة شعبية أو انقلاب عسكري فعطل الدستور مؤقتا أو نهائيا واستقرت له الأمور، سواء أقام الدين أو لم يقمه لا يجوز الخروج المسلح للعلة التي ذكرها أهل العلم، وإنما يعان في الخير ويُذكر بالله تعالي لعله يتذكر أو يخشي.

ومن أراد التغيير لإقامة الدين فعليه بالتغيير السلمي بنشر الدعوة الصحيحة بين الناس، وبإعادة الكرة السياسية السلمية المعاصرة. والله تعالى أعلم.
يُتبع إنشاء الله.