أدلة السنة على ثبوت العذر بالجهل (2)

  • 168

4- عن أبى وافد الليثي قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم ، يقال لها ذات أنواط ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّهَا السُّنَنُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، قُلْتُمْ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ سورة الأعراف آية 138 ، لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ »

والحديث ظاهر فى أن بعض الصحابة من مسلمة الفتح الذين لم يتعلموا بعد كل أمور التوحيد طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم شجرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يتبركون بها كما يفعل المشركون سواء بسواء ، فهل كفرهم النبى صلى الله عليه وسلم بأعيانهم وأخبرهم أنهم خرجوا بذلك من ملة الإسلام والواجب عليهم أن يتوبوا ويعودوا إلى الدين مرة ثانية ؟ أو يقام عليهم حد الردة على قول من لا يعذر بالجهل فى أمور التوحيد . أم عذرهم بجهلهم وأخبرهم أن سألوه هو الكفر بعينه ، وهو ما سألت بنو إسرائيل موسى ؛ فكفر مقالتهم ولم يكفر أعيانهم ، فأنظر رحمك الله أى الفريقين أهدى سبيلاً وأقوم طريقاً ، والحمد لله الذى هدانا إلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وطريقة من أمرنا الله باتباع طريقته .

5- عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ً : «يَدْرُسُ الإسْلامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلا صَلاةٌ وَلا نُسُكٌ وَلا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا". فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَهُمْ لا يَدْرُونَ مَا صَلاةٌ وَلا صِيَامٌ وَلا نُسُكٌ وَلا صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ»

قوله «يدرس» من درس الرسم دروساً إذا عفا وهلك ، وقوله : «وشي الثوب» أي نقشه .

والحديث ظاهر في العذر بالجهل عندما يرفع العلم ويفشو الجهل ولا يعلم الناس من الإسلام غير كلمة التوحيد ، ولا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا صدقة فضلا عن بقية أركان الدين ، واستدل به على عدم كفر تارك الصلاة ما لم يستحل ذلك لقوله : «تنجيهم من النار» مع أنهم لا يعرفون الصلاة ، وانظر تعليق الألبانى رضي الله عنه في الصحيحة فإنه تعليق نفيس .

6- ومنها ما رواه عبدالله بن أبى أوفى قال : لماذا قدم معاذ من الشام سجد للنبى صلى الله عليه وسلم قال : «ما هذا يا معاذ " ؟ قال : أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم ، فوددت فى نفسى أن نفعل ذلك بلء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلا تفعلوا ، فإنى لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، والذى نفس محمد بيده لا تؤدى المرأة حق ربها تؤدى حق زوجها ، ولو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه»

وفى الحديث دليل واضح على أن من سجد لغير الله جاهلاً بأن السجود عبادة ينبغى أن لا تكون لغير الله عزوجل ، لا يكفر بذلك ويقاس عليه غيره من الكفر العملى .

قال الشوكانى رضى الله عنه : «من سجد جاهلاً لغير الله لا يكفر»

7- وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء : جاء النبى صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُنِى عَلَيَّ فجلس على فراشي كمجلسك منى ، فجعلت جويريات لنا ، يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائى يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبى يعلم ما فى غد ، فقال : «دعي هذه وقولي بالذي كنت تقويلن».
فهل كفر النبى صلى الله عليه وسلم من ادعى أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب مع أن الواجب اعتقاده أن الله عزوجل هو وحده عالم الغيب ، وإنما عذرهن لجهلهن وقال لهن : ما يعلم ما فى غد إلا الله .

8- وعن ابن عباس صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له : ماشاء الله وشئت ، فقال صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله ندا ؟ ما شاء الله وحده».

فسوى بين مشيئة الله عزوجل ومشيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الكفر كما قال صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله ندا ؟ ما شاء الله وحده»، ومع ذلك لم يكفره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذه أدلة من السنة المطهرة على ثبوت العذر بالجهل فى أمور التوحيد .