أقوال العلماء في إثبات العذر بالجهل

  • 264

1-   قال الشافعي رحمه الله، لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجه فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فنثبت هذه الصفات، وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال، "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الشورى:11)
2-   وقال ابن العربي رحمه الله، الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج من الملة، فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يتلبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعا قطعيا يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع.
3-   وقال الإمام الطحاوي رحمه الله، ولا تكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم، والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة.
4-   وقال الحافظ الذهبي رحمه الله، واعلم أن كثيرا من هذه الكبائر إلا الأقل يجهل خلق من الأمة تحريمه وما بلغه الزجر عنه ولا الوعيد، فهذا الضرب فيه تفصيل فينبغي للعالم أن لا يستعجل على الجاهل بل يرفق به ويعلمه مما علمه الله، ولا سيما إذا كان قريب العهد بجاهليته، قد نشأ في بلاد الكفر البعيدة، وأسر وجلب لأرض الإسلام، وهو تركي أو كرجي مشرك لا يعرف بالعربي، فاشتراه أمير تركي لا علم عنده ولا فهم، فبالجهد إنه ينطق بالشهادتين، فإن فهم العربي حتى فقه معنى الشهادتين بعد أيام وليالي فيها ونعمت، ثم قد يصلي وقد لا يصلي، وقد يتقن الفاتحة مع الطول إن كان أستاذه فيه دين ما فإن كان أستاذه نسخة منه فمن أين لهذا المسكين أن يعرف شرائع الإسلام والكبائر واجتنابها والواجبات وإتيانها؟
فإن عرف هذا موبقات الكبائر وحذر منها وأركان الفرائض واعتقادها فهو سعيد، وذلك نادر فينبغي للعبد أن يحمد الله على العافية فإن قيل هو فرط لكونه ما سأل عما يجب عليه، قيل: مادار في رأسه ولا شعر أن سؤال من يعلمه يجب عليه، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رؤوف بهم، قال تعالى "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى? نَبْعَثَ رَسُولًا" (الإسراء : 15)
وقد كان سادة الصحابة بالحبشة وينزل الواجب والتحريم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يبلغهم إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأمور معذرون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص، والله أعلم.
5-   وقال الإمام ابن حزم الأندلسي، صح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بلغه فلم يؤمن به فهو كافر، فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله أن يعتقده في نحلة أو فتيا أو عمل ما شاء الله أن يعلمه دون أن يبلغه في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليم وسلم، حكم بخلاف ما اعتقد أو قال أو عمل فلا شيء عليه أصلا حتى يبلغه، فإن بلغه وصح عنده فإن خالفه مجتهدا فيما لم يتبين له وجه الحق في ذلك فهو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة، كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر".
وكل معتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء، وإن خالفه بعمله معاندا للحق معتقدا بخلاف ما عمل به فهو مؤمن فاسق، وإن خالفه معاندا بقلبه أو قوله فهو مشرك كافر، سواء ذلك في المعتقدات والفتيا للنصوص التي أوردناها، وهو قول إسحاق بن راهوية وبه نقول وبالله التوفيق.
6-   وقال ابن رشد رحمه الله، لا يحكم على أحد بالكفر إلا من ثلاثة أوجه: وجهان متفق عليهما والثالث مختلف فيه، فأما الاثنان المتفق عليهما، فأحدهما، أن يقر على نفسه بالكفر بالله تعالى.
 والثاني، أن يقول قولا قد ورد السماع وانعقد الإجماع على أن ذلك لا يقع إلا من كافر وإن لم يكن ذلك في نفسه كفرا على الحقيقة، وذلك نحو استحلال شرب الخمر وغصب الأموال وترك فرائض الدين والقتل والزنا وعبادة الأوثان والأستخفاف بالرسل ومحو سورة من القرآن وأشباهه، فصار ذلك علما على الكفر وإن لم يكن كفرا على الحقيقة، وبهذا القسم يلحق تارك الصلاة من كفره من أهل السنة، ولا دليل عليه إلا بظواهر آثار محتملة.
والثالث، المختلف فيه أن يقول قولا يعلم أن قائله لا يمكنه مع اعتقاده التمسك به معرفة الله تعالى والتصديق له، وإن كان يزعم أنه يعرف الله تعالى ويصدق، وبهذا الوجه حكم بالكفر على أهل البدع من كفرهم بمآل قولهم، وعليه قول مالك في العتيبية، ما آية أشد على أهل الأهواء من هذه الآية، "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" ( آل عمران: 106)
أما القطع على أحد بكفر أو إيمان فلا يصح، لاحتمال أن يبطن خلاف ما يظهر إلا بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم لنا، أو يظهر اعتقادا يكفر به.