عاجل

فروق هامة بين الإدارة والسياسة: رسائل إلى الرئيس القادم

  • 159

على الرغم من أن كلا من علمى الادارة والسياسة ينتميان إلى العلوم الاجتماعية الحديثة نسبيا، إلا أن بينهما بعض الفروق والاختلافات الهامة التى تحدد طبيعة وكيفية عمل كل منهما ، ومن الخطورة بمكان أن يخلط رجال الحكم والمتصدرين فى مؤسسات الدولة بين الإدارة والسياسة سواء كان هذا الخلط متعمدًا أو عفويًا ، ونحن إذ نطمح الآن في التخلص من رواسب الماضى الأليمة التى أحدثت شرخًا كبيرًا وهائلًا فى البناء الداخلى للمجتمع المصري بفعل سياسات فاسدة تمت ممارستها عبر سنين طويلة، لنرجو أن تنضبط مثل هذه القضايا التى أصبحت كالأمراض المزمنة التى تستعصى على العلاج؛ الأمر الذى قد يساهم فى يأس الكثيرين من الإصلاح ويؤدى إلى عزوفهم عن التغيير.

 ولعل من الخطوط الإصلاحية الكبرى فى حياتنا السياسية أن نعيد ضبط المصطلحات ووضع الأمور فى نصابها وتسميتها كما هى بلا تزويق أو تزييف ، هذا التحريف الذى عُرف عبر التجارب السابقة باسم " البصمة المصرية " التى تتجاوز فى كثير من أحوالها كونها بصمة، بل تتحول إلى تكوين جديد وتشكيل مغاير عما هى عليه فى عالم الناس المعاصر، ومن خلال السطور القليلة القادمة سوف نتخذ من الفروق بين الإدارة والسياسة مدخلًا لبيان كثير من الممارسات السلبية والسيئة فى حياتنا بوجه عام، وفى ممارساتنا السياسية بوجه خاص:

1-   الإدارة علم منظم له قواعده ومبادؤه وخطوطه العريضة وإجراءاته المعروفة ، فضلًا عن الخبرة الطويلة فى تطبيقاته ، والممارسة العملية له فى كثير من المجالات والأماكن ، أما السياسة فهى فن يعتمد على الخبرة والممارسة أكثر من اعتماده على القوانين والنظم ، والأهم من ذلك فإن المعايير التى تحكم السياسة عادة ما تخرج قليلًا أو كثيرًا عن نطاق التشريعات واللوائح والنظم إلى محددات أخرى تتوقف على مدى التواءمات والظروف وتخضع للمتغيرات والمستجدات بشكل دائم مستمر.

2-   السياسي الجيد لا بد أن يتمتع بمقومات النجاح الإداري، ولا يشترط فى الإدارى الناجح أن يكون سياسيًا بالمعنى المحترف.
3-   السياسة تحقق لمن يمارسها قدرا من الإمتاع واللذة لما فيها من معانى الصراع ومفاهيم القوة، بخلاف الإدارة التى بها قدر كبير من الرتابة والملل لعدم التجديد والتنويع فيها.

4-   الخلط بين الوظيفتين رغم اختلاف وسائلهما والمهارات المطلوبة لدى من يمارس أى منهما يؤدى عادة إلى فساد الإدارة والسياسة معًا ، فالأصل أن رجال السياسة غير رجال الإدارة، وما تتدخل فيه السياسة من موضوعات يختلف عما تعالجه الإدارة من قضايا؛ ولكن عادة ما تأتى المشكلات من وضع الأمور فى غير نصابها.

5-   يسيطر على الحكام الذين يتصدون لحكم مصر غالبًا مفهوم مؤداه أن إدارة هذه الدولة لا يكون إلا عن طريق عدد من الأدوات تتمثل فيما يلى:
§     استعمال القهر والقوة : لسبب ما يتوهم رجال الحكم أن الظلم أنفع من العدل ، وأن العدل ربما أدى إلى التسيب والضعف؛ وبالتالى فلا يكون أمامهم سوى القبضة الحديدية والقمع العام للجميع.
§       تجهيل الشعب وتهميشه : فى غير ما مناسبة ومن أكثر من مسئول تأتى تصريحات وبيانات تصف الشعب بالجهل والسفه وغيرها من الأوصاف غير اللائقة؛ وبالتالى فلا يعتبرون له رأيًا ولا وزنًا، وعلى الجهة الأخرى لا يساهمون فى تنويره أو رفع الجهل عنه.
§      إقصاء الأحزاب والسيطرة على الحياة الحزبية : يعتبر المسئولون أن الحياة الحزبية رجس من عمل الشيطان ، وأنها ما تأسست إلا من أجل تحصيل منافع شخصية ومآرب خاصة لا تمت للصالح العام بصلة ، إلا أنهم لا يساهمون فى نهضتها أو تحضرها، وإنما يرضون غالبًا بهذا الدور الديكورى.
§       الاقتناع بنظرية التوازن السياسى : على غرار نظرية التوازن البيئى التى تحكم وتحافظ على الحياة البيئية، فإن من يديرون الدولة يتدخلون غالبًا بشكل تعسفى لضبط ووزن هذه المعادلة وفق ما يزعمون أنه مصلحة البلد وما يحقق الخير للأمة.

§    حكم الفرد والبطانة : يوجد بالدولة مؤسسات تعمل وفق نظامها الداخلى وطريقتها الخاصة التى ينظمها الدستور والقانون، ولكن أرباب الحكم عندنا لديهم هوى بالغ فى التدخل فى عمل المؤسسات والتحكم فى مدارات عملها، فنسمع مثلًا عن تسييس القضاء أو تدجين الأزهر أو عسكرة المؤسسات ، وكل هذه التدخلات تأتى أيضًا بزعم المصلحة العامة والأمن القومى وغيرها، ولكنها فى الحقيقة تجسيد لحكم الفرد فى أوضح صورة.
§    عدم الرغبة فى الإصلاح الجذرى : من لوازم تحقيق الإصلاح الحقيقى هو توافر الرغبة والقدرة على إحداث ذلك بالفعل، ولكن ما رأيناه من كثير ممن تولى مسئولية فى هذا البلد أنه غالبًا ما يفقد واحدة من أركان الإصلاح الحقيقى؛ وبالتالى تبقى الأمور على ما هى عليه وتنتقل من السيئ إلى الأسوأ فى تلازمية عجيبة؛ مما أورثت يأسًا حقيقيًا من التغيير والانتقال من هذا الوضع.

6-   فى كل ما سبق من قناعات أو ممارسات  يتضح أن السياسة تتدخل فيما لا عمل لها به، وأن ما تقحم نفسها فيه من قضايا ربما يكون خاضعا للقانون أو الدستور أو المبادئ العامة بما ينطبق عليها أنها ضوابط إدارية أكثر من أن تكون إجراءات سياسية.

7-   إننا نحلم أن تكون السياسة عندنا بمفهوم " فن إدارة الدولة " وليست " فن الحكم " فقط؛ لأنه غالبًا إذا تحركت السياسة من مربع إدارة الدولة إلى مربع إجراءات الحكم فإنها تستجيز لنفسها ما تستجيز ، وتعطى لنفسها حق تجاوز اللوائح والقوانين والنظم بزعم إرادة ضبط الحكم .

8-   نحن – كدعوة سلفية – على يقين تام أن السياسة الشرعية لها وظيفتان أساسيتان هما: إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين، وغير ذلك من أهداف أخرى يجب أن يتفرع عن هذين الهدفين الرئيسيين.

9-   السياسة التى تأتى لخدمة أصحابها لا لخدمة شعوبها وأوطانها هى سياسة فاسدة ظالمة لن تستمر طويلًا ولن تعود على أصحابها إلا بالخراب والدمار فى الدنيا والآخرة؛ لأنها أمانة ثقيلة وتكليف شاق لا كما يتعامل معها البعض على أنها مغنم ومطمع.

10- لن نيأس من الإصلاح، ولن نكف عن التغيير بمنهجية واضحة وثابتة – بإذن الله - وإن اختلفت الوسائل وتنوعت الطرق، لكننا سنظل ننادى ونعتقد أن أركان الإصلاح الحقيقى تتمثل فى السير المتوازى نحو إصلاح الفرد والمجتمع والدولة حتى يتحقق التغيير المنشود بمشيئة الله.