الانتخابات البرلمانية .. قراءة أولية في مشروعات القوانين المنظمة

  • 223

فى خضم انشغال المصريين باستكمال الاستحقاق الثانى من خارطة الطريق بانتخاب رئيس الجمهورية القادم خلال يومي 26 و27 مايو الجاري، طرحت اللجنة المشكلة لإعداد مشروعى قرارين بقانون بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، مشروعيها للحوار المجتمعى على أمل أن يتم الانتهاء من إبداء الآراء خلال أسبوعين على الأكثر من طرحهما للحوار. والحقيقة أن مشروعى القانونين سواء بالنسبة لتوقيت طرحهما أو لما تضمناه من مواد مقترحة تثير العديد من الملاحظات واجبة التسجيل، أهمها ما يلى:

أولا- ليست مصادفة أن يأتى طرح هذين المشروعين متزامنا مع إجراء الانتخابات الرئاسية، صحيح أن العملية الانتخابية فى نهايتها، إلا أنه من الصحيح أيضا أن النهايات أكثر أهمية من المقدمات والبدايات، ففى الوقت الذى يزداد انشغال الجميع فى متابعة العملية الانتخابية والمشاركة فيها انتظارا لحسم نتائجها لصالح أحد المرشحين، بل وما سوف يتبعها من حوارات كثيرة وتحليلات عديدة حول ما شهدته العملية الانتخابية، وما أفرزته من نتائج، بما يعنى أنه على مدار هذا الأسبوع والذى يليه سوف تظل الانتخابات الرئاسية ونتائجها هى محور الاهتمام، فكيف يمكن أن تجرى حوارات حقيقية وجادة بشأن هذين القانونين؟! فضلا عن ذلك أنه من غير المنتظر أن تجرى الانتخابات البرلمانية القادمة خلال شهر يوليو القادم؛ حيث يحل علينا شهر الخير والبركات (شهر رمضان المعظم).

ومن ثم، فالتساؤل المطروح طالما تأخرت اللجنة عن تقديم هذين المشروعين عن الموعد الذى حدده قرار رئيس الجمهورية رقم 116 لسنة 2014 المنشئ لها، والذى حدد فى مادته الثالثة أن تنتهى اللجنة من أعمالها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل به، وتاريخ هذا القرار هو 14 أبريل 2014، بما يعنى أنه كان يجب عليه الانتهاء من عملها فى  التاسع والعشرين من أبريل 2014، وتقديم المشروعين المقترحين للحوار المجتمعى بدءا من هذا التاريخ، ولكن لأسباب تتعلق بأداء اللجنة وظروفها تم مد هذه الفترة حتى انتهت اللجنة من عملها بعد ما يزيد عن ثلاثة أسابيع.

فكان من الأولى مد فترة الحوار المجتمعى حول مشروعي القانونين إلى الخامس عشر من يونيو القادم؛ حتى يتسنى للمجتمع أن يشارك بالفعل في صياغة هذين المشروعين نظرا لأهميتهما فى بناء مصر ما بعد ثورتين أثبت خلالهما المصريون أن بناء مستقبل بلادهم لن يكون إلا بأيديهم وإرادتهم. وعليه، فإننى أطالب مد فترة الحوار المجتمعى إلى الخامس عشر من يونيو لإعطاء المجتمع ومؤسساته فرصة حقيقية للإدلاء برأيها فى نصوص هذين القانونين.

ثانيا- تكشف القراءة الأولية فى مشروعي القانونين عن جملة من المخالفات لبعض مواد الدستور الذى تم إقراره فى أوائل هذا العام (يناير 2014)، حينما ينظر إلى تقسيمه لمقاعد المجلس ما بين الفردى والقائمة، وتوسعه فى زيادة المقاعد الفردية (480 مقعدا للفردى) على حساب مقاعد القوائم (120 مقعدا للقائمة)، محددا عدد القوائم على مستوى الجمهورية بثمان قوائم فقط؛ وهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر فى ظل النصوص الدستورية التى تتحدت عن المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.

 أضف إلى ذلك حينما اشترط على كل قائمة أن تضم ثلاثة مرشحات من النساء، وثلاثة من المسيحيين، واثنين من العمال والفلاحين والشباب، ومرشح عن المصريين فى الخارج، وكذلك الأشخاص ذوى الإعاقة، فهل أخذت اللجنة فى اعتبارها طبيعة وخصائص بعض المحافظات التى قد لا يوجد بها مثل هذا العدد من المرشحين، فعلى سبيل المثال بعض المحافظات الحدودية هل يوجد بها مرشحون من النساء، وهل نجح المجتمع فى تفعيل وجود المرأة فى هذه المحافظات بالفعل؟ أم أن الأمر ما زال يغلب عليه الطابع الشكلى كما كان فى الانتخابات السابقة؟ ما نريده هو أن يكون هناك بالفعل تمثيل حقيقى لكل فئات المجتمع شريطة أن يكون هذا التمثيل عاكسا ومعبرا عن هذه الفئات، وليس مجرد تسديد خانات وملأ أوراق فحسب.

ثالثا- تمثل قضية المعينين فى مجلس النواب، رغم محدودية عددهم (30 عضوا) إشكالية أخرى حينما نصت المادة (28) فى المشروع المقترح على ضوابط التعيين، فقد تضمنت تعبيرات عامة غير محددة، فكان من الأوجب أن تكون هناك معايير محددة بشكل دقيق لا تسمح لأحد بمخالفتها، أما ما هو موجود فى هذه المادة كلام فضفاض يتسع ليضم من بين صفوف المعينين أهل الحظوة والقربى.

رابعا- حينما يحدد قانون مباشرة الحقوق السياسية فى مادته الخامسة والعشرين الحد الأقصى للدعاية الانتخابية للمرشح الفردى بمليونى جنيه، وفى حالة الإعادة بمليون جنيه، يعنى ذلك أن على كل مرشح أن يكون لديه على الأقل (5) مليون جنيه حتى يستطيع أن يقدم على هذه الخطوة، فهل يعنى ذلك أن أعضاء مجلس النواب القادم من الأثرياء فقط؟ فكان من الأوجب على واضعى هذا المشروع أن يرفعوا شعار "الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى يمتنعون"، فمن أين يأتى مرشح فردى بمثل هذه المبالغ التى من المعلوم أنه سيتم تجاوزها فى بعض الحالات، طالما فتح الباب لإنفاق كل هذه المبالغ.

 ثم ما هو العائد الذى يحصده النائب بعد إنفاق كل هذه المبالغ؟ هل ثمة مكافآت يتحصل عليها النائب من عضويته سوى المبلغ المحدد طبقا للقانون بما لا يتجاوز (20) ألف جنيه فى الشهر، أى بمعدل (240 ألف جنيه كحد أقصى فى العام) بمعنى أكثر تحديدا لن يستطع طوال فترة وجوده فى البرلمان (لمدة 5 سنوات) أن يسترد على الأقل مثل هذه المبالغ التى تم إنفاقها فى الدعاية فى حالة إذا ما حصل على الحد الأقصى من البدلات المحددة قانونا.

خلاصة القول:

إن مشروعى القانونين يحتاجان إلى حوار مجتمعى جاد وحقيقى تسهم فيه كل فئات المجتمع وتكويناته السياسية والمجتمعية؛ كى يأتى مشروعي القانونيين بما يتناسب وطبيعة المجتمع المصرى وظروفه السياسية والاقتصادية، وبما يتلاءم مع قدرات أبنائه ويسمح للجميع بتمثيل عادل وحقيقى.