طلب العلم شعار المرحلة

  • 183

فقد قال الله تعالى في أول خطابٍ خاطَبَ به نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ? [العلق: 1-5]، هكذا أمرَ الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمرُ الله لرسوله أمرٌ له ولأمته؛ لأنه إمامهم وقائدهم إلى الله عزَّ وجل، وهذا يدل على أهمية العلْم وعلى أهمية التعلّم وعلى مِنَّة الله - عزَّ وجل - بتعليمه القلم، وفي سورة الرحمن قال الله تعالى: ?الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ? [الرحمن: 1-2] .

فإن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول: «مَن يُرِد الله به خيرًا يفقّهه في الدين»(1).

تعلَّموا شرائع الله لتعبدوا الله على بصيرة وتدعوا إلى الله على بصيرة؛ فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ إن مَن يعبد الله على غير علم كالذي يمشي في الفيافي بغير طريق ولا دليل؛ ولهذا لا بُدَّ لكل إنسان من طلب العلم وطلب العلم فريضة عين على مَن احتاج إليه وفريضة كفاية على مَن لم يحتج إليه.

اطلبوا العلم؛ فإن العلم نور وهداية والجهل ظلمة وضلالة، اطلبوا العلم فإنه مع الإيمان رفعة في الدنيا والآخرة، قال الله عزَّ وجل: ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ? [المجادلة: 11]، اطلبوا العلم فإنه ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام «إن الأنبياء لم يورّثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورّثوا العلم».

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنّا معشر الأنبياء لا نورث» إنهم «ورثوا العلم فمَن أخذه فقد أخذ بحظٍّ وافر من ميراثهم»..

إن الإنسان ليفتخر إذا مَنَّ الله عليه بعلم أن يكون وارثًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ إن العلم أفضل من المال وأعظم أجرًا وأدوم فائدة؛ إن المال لا بُدَّ أن يفنى، فلو قدّرنا أن رجلا أوقف عمائر لينتفع بها الفقراء فإن هذه العمائر سوف تفنى عن قريب أو بعيد ولكنّ العلم الموروث سوف يبقي مادام الناس ينتفعون به، وانظروا إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - الرجل الذي كان فقيرًا في أول إسلامه، انظروا إليه ماذا ورّث للأمة الإسلامية من الأحاديث التي ورِثها عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واضربوا مثلا بخليفة كان في زمنه وكان قد أوقف أموالا كثيرة ولكنّ الأموال فنِيت ولم ينتفع الناس بها بعد ذلك، أما علم أبي هريرة فإنه يُتلى في المساجد والبيوت في كل زمان ومكان، وبهذا يُعرف الفرق العظيم بين ميراث العلْم وميراث المال، ولقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

اطلبوا العلم ليكن لكم لسان صدق في الآخرين؛ لأن آثار العلْم تبقى بعد فناء أهله، فالعلماء الربَّانيون لم تزل آثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة وسعيهم مشكورًا وذكرهم مرفوعًا، إن ذُكروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم والدعاء لهم، وإن ذُكرت الأعمال الصالحة والآداب العالية كانوا قدْوة الناس فيها، يقول الله تعالى: ?أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا? [الأنعام: 122]، فالعالِم إذا مات أحياه الله تعالى بذكْره وبالنور الذي يمشي الناس عليه فيه بعد مماته.

وليكن طلبكم للعلم مُبتغين به الأجر من الله لا لتنالوا عَرَضًا من الدنيا؛ فإن مَن تعلَّم علمًا مِمّا يُبتغى به وجه الله لا يتعلّمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عرْف الجنة يوم القيامة؛ أي: لم يجد ريحها، والإنسان الذي يطلب العلم لأجل عرَض من الدنيا ليس له من هذا العلم إلا ما أراد ولن يجعل الله في علْمه بركة.

اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم؛ فإن الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون، جعل لكم السمع لتسمعوا ما يُتلى من كتاب الله، والأبصار لتروا ما ترونه من آيات الله، والأفئدة لتعقِلوا ما سمعتم وأبصرتم من آيات الله، فاشكروا الله - عزَّ وجل - على هذه النّعَم واستعملوها فيما يرضي الله عزَّ وجل.

اطلبوا العلْم لترفعوا به الجهل عن عباد الله فتنشروا العلم بين الخلق؛ فإن على أهل العلم حق تبليغه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «بلِّغوا عنِّي ولو آية»وقال: «ليبلّغ الشاهدُ منكم الغائب»فالناس مُحتاجون إلى العلماء أشد من احتياجهم إلى الطعام والشراب والنكاح؛ لأن العلماء هم الذين يدلّونهم على شريعة الله ولا حياة للإنسان إلا بالقيام بشريعة الله، وعلى العلماء أن ينشروا العلم بشتى الوسائل: إما في المجالس وإما في الكتابة وإما في المواعظ في المساجد وطُرق نشر العلم كثيرة معلومة.

اطلبوا العلم لتحفظوا به شريعة الله؛ فإن الشريعة الإسلامية تُحفظ بشيئين، أحدهما: الكتابة والحفظ في الصدور وهو العلم، والثاني: العمل بذلك؛ لأن الإنسان متى عمل بِمَا علم صار العلم ثابتًا في نفسه وثابتًا في نفس مَن شاهده.

اطلبوا العلم لتدافعوا به عن الشريعة؛ إن شريعة الله تعالى مستهدفة من أعداء الله الذين يصرِّحون بالعداوة كاليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم الذين يورِدُون على المسلمين شُبَهًا من أجل أن يضلّوهم عن دينهم وكذلك هي مغزوّة من مسلمين ولكنّهم في الحقيقة أعداء للإسلام من أهل البدع على جميع أنواع البدع لكنْ مُقِلٌّ ومستكثر، فلا بُدَّ أن يتعلم الإنسان شريعة الله ليدافع عنها؛ فإن الدفاع عن الشريعة إنما يكون برجال الشريعة.

اطلبوا العلْم لتدعوا به إلى الله عزَّ وجل؛ فإن الدعوة إلى الله لا تتم بدون العلم، وكم من إنسان نَصبَ نفسه داعيًا إلى الله ولا علم عنده فلا تكمل دعوته ولا تتم وربما تكلَّم عن جهل فأفسد أكثر مِمّا يُصلح، قال الله - عزَّ وجل - لنبيّه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ? [يوسف: 108].

إن أزمة الأمة فى هذا الجيل انتشار الجهل وقلة العلم ولذلك تكثر الفتوى بغير علم بل والجرأة على كتاب الله وعلى السنة النبوية المطهرة، فكل إلا من رحم الله يتكلم فى دين الله ويحل ويحرم ويتكلم فى الموازين الشرعية دون أدنى بصيرة من كتاب أو سنة أو معرفة بضوابط الموازنة بين المصالح والمفاسد التى تكلم عليها أهل العلم لذا نحن نحتاج إلى طلب العلم أشد من حاجتنا إلى الطعام و الشراب.

إن ثمرة العلم هي العمل والدعوة إلى الله به فمَن لم يعمل بعلمه كان علمه وبالا عليه ومَن لم يدعُ الناس به كان علمه مقصورًا عليه، مَن عمل بِمَا علم ورّثه الله علم ما لم يعلم كما قال الله عزَّ وجل: ?وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ? [محمد: 17]، ومَن لم يعمل بِمَا علم أوشَكَ أن يُنزع العلم من قلبه كما قال الله تعالى: ?فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ? [المائدة: 13]، وقد قيل: «العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل»وقيل: «قيِّدوا العلم بالعمل كما تقيِّدونه بالكتابة».