محبة الصحابة - رضي الله عنهم – لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم

  • 214

لا شك في أن محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من الآباء والأبناء والإخوة والزوجات واجبة على الأعيان، فقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى? يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ? وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [ التوبة: 24].

سئل أبو العباس بن سريح فقيل له: محبة الله فرض أو غير فرض؟ قال: فرض. قيل: ما الدليل على فرض محبة الله جل في علاه؟ فقال: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى? يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ? وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. قال فتوعدهم الله عز وجل على تفضيل محبتهم لغيره على محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم، وحتم واجب.

وقد فسّق الله جل في علاه بخاتمة الآية من يقدم محبة غيره على محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة الجهاد في سبيل الله.
وإنما كان ذلك كذلك لأنه يضحي بالمحبوب الأدنى طلبا للمحبوب الأعلى، فإذا أحب الرجل آباه أو ابنه أو أخاه أو زوجته أو ماله أكثر من حبه لله جل في علاه أو لرسوله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون البذل والتضحية، وكيف ترتفع راية الله عز وجل، ومع أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله عز وجل، ولا يحب أحد لذاته إلا الله عز وجل، فلابد كذلك أن تكون محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من الآباء والأبناء، والناس أجمعين.

كما قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى? بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ?} [ الأحزاب: 6 ]، أي: في المحبة ولوازمها، وقال: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ?} [ التوبة: 21 ]. فمن لازم محبة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من الآباء والأبناء، بل أكثر من نفسه، أن يفدي كل مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي" فقال: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك".. فقال: "الآن يا عمر". أي كمل إيمانك بحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسك.

وقد ضرب الصحابة رضي الله عنه أروع الأمثلة في حب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يصرعون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدونه بأنفسهم، ويعلمون الأمة محبة الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فهذا خبيب بن عدي أسره المشركون، وعذبوه عذابا شديدا، وقالوا: أتحب أن محمدا مكانك وأنت معافى في أهلك ومالك فقال: والله ما أحب أن أكون معافى في أهلي ومالي ويشاك محمد صلى الله عليه وسلم بشوكة.
وفي ذلك قيل:

أســــرت قريـــــش مسلمـــــا     فمضى بلا وجل إلى السيافِ
سألوه هل يرضيك أنك سالــم     ولــك النـبي فدّى من الإتلافِ
فأجاب كلا لا سلمت من الرَدَى   ويصاب أنف محمدٍ برعـــافِ
ولما أرادوا قتله أنشأ يقول:
ولست أبالي حين أقُتل مسلما    على أي شق كان في الله مصرعي
مادام في ذات الإله وإن يشـأ    يبارك على أوصالٍ شلــــوٍ ممـــزع

وجعل أبو دجانة سماك بن خرشة يوم أُحُد ظهره ترسا للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان أبو طلحة الأنصاري يقول له: نحري دون نحرك.
وقد قتل يوم أحد أحد عشر أنصاريا يفدون بنفوسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جابر قال: لما كان يوم أحد وولى الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثنى عشر رجلا منهم طلحة، فأدركه المشركون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من للقوم؟" قال طلحة: أنا.
قال: "كما أنت" فقال رجل: أنا. قال: "أنت" فقاتل حتى قتل. ثم التفت فإذا المشركون فقال: "من لهم؟" قال طلحة: أنا. قال: كما أنت. فقال رجل من الأنصار أنا. قال: أنت فقاتل حتى قتل. فلم يزل كذلك حتى بقى مع نبي الله طلحة فقال: من للقوم؟ قال طلحة: أنا فقاتل طلحة. قتال الأحد عشر، حتى قطعت أصابعه فقال: حسَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك.