الخوارج سلفًا وخلفًا

  • 138

الخوارج فرقة كبيرة ظهرت في الماضي، وهي من الفرق التي لها اعتقاد معين، وهي موجودة في واقعنا المعاصر.
 
وهذه الفرقة لها مسميات متعددة، لكنها تكره مسمى واحدا منها "المارقة"، وهو المأخوذ من رسول الله صل الله عليه وسلم في حديث ذي الخوايصرة "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
 
والخوارج اشتق اسمهم العلماء من الخروج على الإمام، وأولهم كان في زمن الصحابة وحتى يومنا هذا، ومنهم من خصهم بأولئك الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه.
 
و"ابن حزم" يرى أن اسمهم هذا يلحق بأي طائفة تشاركهم في رأيهم في أي زمن كان.
 
ومن صفاتهم (هو رأيهم في حقيقة الإيمان)، فعامة الخوارج يرون أن حقيقة الإيمان هي المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بكل ما جاء به الشرع.
 
فلا إيمان لأحد عندهم لا يتحقق فيه قول اللسان والمعرفة بالقلب والعمل بأوامر الشرع ونواهيه.
 
والفرق بينهم وبين أهل السنة والجماعة، أنهم يرون أن العمل بالجوارح من "صلاة وصيام وصدقات "، وخلافه شرطًا في أصل الإيمان، بمعنى أنه لا إيمان لأحد عندهم لا يتحقق فيه العمل بأوامر الشرع ونواهيه.
 
ولذلك يؤكد العلماء أن الخوارج يقولون بذهاب الإيمان جملة واحدة إذا أضاع العبد الأعمال، وهذا معناه أن الإيمان عندهم لا يتجزأ، فإذا ذهب بعضه ذهب كله.
 
فإما أن يأتي به الشخص كاملًا فيكون مؤمنًا، وإما أن يأتي به ناقصًا ببعض الأعمال فيخرج عن الإيمان بالكلية.
 
والمهم هنا التأكيد على أن الخوارج شابهوا أهل السنة والجماعة في "تعريف الإيمان"، بأنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوراح .
 
ولكنهم خالفوهم في أن أهل السنة والجماعة جعلوا الأعمال شرط كمال الإيمان، بينما الخوارج جعلوها شرطا في أصل الإيمان.
 
ولذلك يلزمهم تكفير أهل الذنوب والمعاصي، كما قال "ابن تيمية" رحمه الله .
 
وعندهم ترتيب على ذلك أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص،  كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، الذين ترتب على اعتقادهم بأن الأعمال شرط كمال الإيمان، وأنه يزيد وينقص، واستدلوا على نقصان الإيمان بما ورد في كتاب الله عز وجل من الأدلة على زيادته.
 
وما دام الشيء يزيد فهو قبل الزيادة كان ناقصًا كما في قوله تعالى: "وما زادهم إلا إيمانا وتسليما"، وقال: " الذين اهتدوا زادهم هدى"، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
 
والمهم فيما تقدم ما يترتب على ذلك من نتائج وهو تكفيرهم لكل من أقر باللسان واعتقد بقلبه، ولكنه لم يعمل بجوارحه، وهذا اعتقاد الخوارج.
 
ومن نتائج هذا الاعتقاد الخلاف بينهم وبين أهل السنة والجماعة في أصل عظيم وهو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
 
فلا خلاف بين الأمة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غير أن أهل السنة والجماعة عامتهم يرون ذلك من فروض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع كل على حسب طاقته.
 
لكن الخوارج أوجبوا الخروج على كل أحد تغييرا للمنكر، ولأقل سبب وعلى أي حال؛ حملا للناس على التزام المعروف والانتهاء عن المنكر، مهما كان بسيطًا حتى أنهم أوجبوا الخروج على الإمام ولو خالف سنة من السنن.
 
ولو أدى تغيير المنكر إلى الجهاد الجماعي وخوض الحروب ضد مخالفهم، ولو كان المخالف منهم من حاكمًا من حكام المسلمين.
 
إن من لطف الله أن جعل تغيير المنكر في المجتمع على مراتب، أولها باليد، فإن لم يستطع انتقل إلى التغيير باللسان، فإن لم يستطع أنكر بقلبه، وهذا أخف الإيمان، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
 
وفي الختام أقول للشباب المسلمين: احذروا أن يخدعكم الخوارج (خوارج اليوم)، اذهبوا إلى علماء الأمة ودعاتها من أهل السنة والجماعة، وتعلموا منهم واسألوهم، ولا تنخدعوا بكثرة الفساد الذي ترونه في المجتمع، فإنه ليس مبررًا لحمل السلاح وقتل الأبرياء والقضاء على الأخضر واليابس.
 
وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف هؤلاء "المارقين" بقوله: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان".
 
إنهم يا شباب، يبررون الخروج على الحكام وحمل السيوف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
والله المستعان.