أوهام فوق حصان

  • 147

قالوا لى يومًا : ماذا تريد أن تكون ؟

فقلت : طبيبًا يداوي القلوب أو مدرّسًا يربى الصفوف ، أو طيارًا يحمل فوق السحاب الطبيب والقلوب والمدرس والصفوف !

 فلما كبُرت أدركت أنى كنت مخطئًا ، لأن الطبيب باع القلوب والمدرس أفسد الصفوف وسعادة الطيار قاد ضربته الأولى ليقتل الجميع !

 أعماقنا ملئت سفهًا إعلاميًّا وحمقًا سياسيًّا وتفاهة كروية وأحلامًا وردية ! 

أعماقنا كانت تغذِّينا أن الأمل فينا ، وأن العالم ينتظرنا لنحطّم قيوده لنَقُودَه ينتظرنا لإعادة الآمال بعد قرون الآلام ، يحتاج منا النور ليبدد به الظلام ونأخذ بيده للأمام ، ولكن أعماقنا لم يكن فيها غذاء نافع وتام، بل كانت أوهام فوق حصان لم يكن عليه لجام ! لقد سقط فارس بني خيبان لما أسرع !

وبانت أسنانه الهشّه ورأسه الأصلع !!

 أعماقنا ذهبت بعيدًا فى رحلة طويلة لا تعرف إلا الغيبوبة ، كبار ولم يكبروا وصغار ولن يكبروا ومزايدون لا يعرفون إلا الحديث عن غيرهم !

 يطلبون منهم الحديث والنفير والقتال وأن يفوزوا بوسام الشجعان أو مقبرة أهل العرفان !

 أعماقنا تشتاق إلي الانتباه ولكن دون سلطان أو جاه تشتاق إلي العودة للسجّان لأن الباب عندما فُتح فى المرة الأولى لم يكن فى الخارج حياة ، كانت تحرّكات وأصوات وألوان وأعلام وكنا نقف على أفخم سجّاد ولكن أموات لا أحياء !

 الحياة فعلًا كانت بين الحيطان وفوقها القضبان ، ننتظر نسمة ريح لنعطّر بها الجدران ! ننتظر البسمة من المسجون ونظرة الرضا من المهموم لينال رضا الرحمن أما الآن : فننتظر جهلًا ماحقًا ، وسيفًا مصلتًا ، وشقيقًا لم يعرف إلا الشَّقّ وخائن لا يعرف إلا الطعن ، وصغير يركب البحر ، وكبير ينتظر من يعبر به النهر ! ووطن يُذبح رغم شدة الصَّفير وقلة المعين !