الغنوشي - إخوان المنشأ - حزب النور.. وجها لوجه.. أين العمالة؟

  • 152

* في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضى، وبعد حصول نداء تونس، على الأغلبية البرلمانية، ومقعد الرئاسة، أجرى السيد / راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، ذات التوجه الإخوانى، حوارا مطولاً مع جريدة الخبر الجزائرية، يتوجب الوقوف عند الكثير من محطاته، سيما، مع استمرار تدليس إخوان المنشأ بمصر، وبعض مناصريهم، من الأحزاب السلفية، محدودة أو عديمة التأثير فى الشارع السياسي المصري، على بعض أبناء الحركة الإسلامية، لمواصلة السير في المسارات الصفرية الأحادية، معلقين فشلهم، على شماعة خيانة حزب النور وعمالته تارة، و ردته وتضييعه للمشروع الإسلامى، تارةً أخرى ..

إن خلاصة تجربة النهضة التونسية، هى الاستفادة من أخطاء إخوان المنشأ، والاعتراف بفشل تجربتهم، بعد ثورة يناير، فى وقت تصر فيه الجماعة بمصر، على تقديم أنموذجاً سيئا، لمشروعهم النهضوي المزعوم، دونما - ثمة - ولو محاولة واحدة، لمراجعة المقدمات والمسارات السياسية والنتائج، مع إطلاق سهام السب واللعن، على حزب النور، لرفضه الخضوع لارادتهم، والسير فى ركابهم، والانضواء تحت عباءتهم الفضفاضة، بلا قيد أو شرط ..

وفى ذات الوقت، يغض إخوان المنشأ، أبصارهم، عن مواقف ومنطلقات حركة النهضة التونسية، بعد ثورة الياسمين، مما حدا ببعض الكتاب المناصرين لمواقف الجماعة، والمشنعين على خيارات حزب النور السياسية، إلى التغزل والانبهار بمواقف النهضة، وعزو ما حدث بتونس، إلى إنتشار الفقه المالكى، والذى يراعى قواعد المصالح والمفاسد، على أرضية مقاصدية، للمفاضلة بين الخيارات السياسية المتاحة، وإعطاء الحركات الإسلامية هناك، مزيداً من المساحات للتحرك والمناورة، وهذا أمر يدعو العاقل - بلا ريب - إلى أن يضرب كفا بكف، فتقدير المصالح والمفاسد، ومراعاة موازين القوى الداخلية والإقليمية والخارجية، إذا كان مشرقيا (حزب النور) صار خيانة وعمالة وردة وتضييعا للمشروع الإسلامى، وإذا كان مغاربيا (النهضة التونسية) صار حنكة ودهاء سياسيا وتعلما من أخطاء الغير واعتبارا بتجارب التاريخ !!!!

وكان من أبرز ما ذكره السيد / راشد الغنوشي فى حواره مع الخبر الجزائرية : 
* أن موازيين القوى، لم تكن، لتسمح، بتقديم الحركة، نهضاويا، لإنتخابات الرئاسة، وإلا لانهار المسار الديمقراطى برمته، كما حدث فى الجزائر عام 1992 .
والعجيب أنه نفس موقف إخوان المنشأ بمصر، فى بادئ الأمر، وقد وافقهم حزب النور، على هذا التوجه، ولذات الأسباب، التي دفعت النهضة التونسية، لإتخاذ قرارها الحاسم، بشأن المقعد الرئاسي، إلى أن تخلت الجماعة بمصر، عن موقفها السابق، وارتكبت خطأ استراتيجيا فادحاً، سواء على مستوى صناعة القرار، عن طريق إعادة التصويت لأكثر من مرة، لحسم الموقف بأغلبية ضعيفة جداً، أو على مستوى رسم العلاقات المستقبلية، مع مؤسسات الدولة العميقة، فاضطر حزب النور، لاتخاذ موقف تكتيكى مرن، للتقليل من الاثار السلبية، لقرار الجماعة، على واقع الحركة الإسلامية بمصر، التى كانت تخطو فى بداية طريقها لمشاركة سياسية فعالة، فقرر دعم د/ عبدالمنعم أبو الفتوح، غير المؤطر تنظيميا، داخل الجماعة، لمقعد الرئاسة المصرية ..*تخلينا عن الشريعة الإسلامية، كى نثبت أننا حزباً وسطيا. 

و فى الحقيقة لا يخفى، على أصحاب الإختصاص، فى الهيئات الرسمية كالازهر، ومنظمات المجتمع المدني، من جمعيات دعوية وخيرية، نكارة ما قاله الغنوشي، وما يحمله - فى طياته - من مخالفات، وكأن المستمسك بثوابت دينه و أخلاقياته، صار - لدى النهضة - أصوليا متشددا متحذلقا، فضلا عن مكانة قضية الشريعة، لدى الحركة نفسها، فى منطلاقاتها ووسائلها .
لا يختلف إخوان المنشأ بمصر، فى هذه القضية، عن توجهات النهضة، فقد كانت القضية لديهم، ورقة يلعبون بها فى أوقات حاسمة، ولربما عرضوها -  فى أحيان كثيرة - للبيع فى أسواق المزايدين عليها، و من ثم لم يكن للجماعة، موقفاً يذكر فى الدفاع عنها، مما جعل رجلا ليبراليا كالدكتور / أيمن نور، يعترف، أن المعارك الفكرية، فى لجنة الدستور الأولى، دارت بين حزب النور، وبين القوى الليبرالية، فى الوقت الذى جلس فيه أعضاء الجماعة، على كراسي المقصورة الرئيسية، لمشاهدة هذه المبارة الساخنة .
وكما حمل حزب النور، على عاتقه، فى لجنة الدستور الأولى؛ عبء الدفاع عن قضية الشريعة، استطاع فى لجنة تعديل دستور 2012 - بتوفيق من الله وحده - ثم بمعاونة رجال الأزهر الشريف، تحويلها إلى قضية مجتمع وهوية شعب، لإتخاذ خطوات إيجابية جادة، نحو ترسيخ مكانة الشريعة، فى البناء الدستورى المصرى، فكانت النتيجة، هى الوصول إلى أرضيات مشتركة، من خلال التنسيق والتفاهم، مع كافة القوى السياسية؛ وتم تجويد صياغات المواد المتعلقة بالشريعة، خاصة المادة الثانية ..

* المرونة التكتيكية في الانتقال من موقع إلى آخر
حيث قال الغنوشي، أنه ليس لديه مشكل، فى الإنتقال من السلطة إلى المعارضة، ولا يحب أن ينتقل من السلطة إلى السجن، أو، من السلطة إلى المهجر، فتونس والديمقراطية، أغلى عندهم من النهضة .
وهذا ما لم يتفهمه إخوان المنشأ بمصر، حيث سارعت الجماعة، إلى الصدام مع الجميع، وإقصاء كافة الرفقاء؛ سواء من أبناء الحركة الإسلامية، أو من القوى الوطنية، وأخذت تسيطر على مؤسسة تلو الأخرى، فمن أكثرية نيابية، إلى مقعد الرئاسة، إلى تشكيل الحكومة، بشكل شبه انفرادى، إلى حركة محافظين، استفزت مشاعر القوى السياسية المختلفة، وكأن مشروعهم النهضوي المزعوم، تحول إلى مشروع أخونة، فى أغلبية قطاعات الدولة، مما أصاب الجميع بالذعر، والتخوف على المسار الديمقراطي، وتداول السلطة، والفصل بين السلطات، بدلاً من التماهي، الذى بدأ يلوح فى الأفق، بين الرئاسة ومكتب الإرشاد، فانتقلوا بتلك الأخطاء الفادحة من السلطة إلى السجن، ومن السلطة إلى المهجر، على الرغم من محاولات حزب النور، وقف نزيف الإنهيار السريع، عندما توسط لحلحلة الأزمة، بين الإخوان من جهة، وجبهة الإنقاذ من جهة أخرى، بإطلاق مبادرته الشهيرة؛ فى يناير 2013، وغيرها من المبادرات لفتح مسارات سياسية جديدة، حتى بعد عزل الدكتور /محمد مرسي، دونما إستجابة تذكر من الجماعة ..

كانت هذه خلاصة تجربة النهضة التونسية، وتجربة الإخوان فى بلد المنشأ مصر، ومواقف حزب النور منها، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن :
أين العمالة ؟