بين العمل السياسى وتحكيم الشريعة

  • 164

يجب علينا في خضم هذه الأحداث ألا ننسى أن العمل السياسي من خلال البرلمانات ما هو إلا لتقليل الشر ما أمكن، ثم لحماية الدعوة إلى الله فى سائر ربوع الوطن من القوانين المقيدة لها، ثم محاولة القيام ببعض فروض الكفايات عن طريق المشاركة في الحكومات أو الجمعيات والمؤسسات والحركات وغيرها، وذلك بتعليم الجاهل وعلاج المريض ورصف الطرق وبناء المستشفيات وغير ذلك من أسباب الحياة الكريمة، ثم نشر التصور الصحيح في وسط الناس عن طريق الدعوة بمختلف وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية؛ لإقامة الدولة التي تسوس الدنيا بالدين وتجمع بين خيري الدنيا والآخرة، دولة حديثة بهويتها الإسلامية، أمّا أن يتسرب إلينا أننا سنحكِّم شريعة رب العالمين كما أُنزلت عن طريق البرلمانات والمشاركة في الحكومات فهذا -ولعمر الله- تضييع للجهود وتبديد للطاقات، فإن منهج الأنبياء جميعهم تركَّز في مداومة البيان والتربية على معاني الإيمان، ونقش للشريعة في الأفئدة قبل أن تكون جملة في كتاب لا يسمن ولا يغنى من جوع، فإن الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل ما يعتقدون لا يقومون بذلك بين عشية وضحاها، بل هو غرس يحتاج إلى عناية من ماهر خرِّيت، فدولة الإسلام الفتية، التي وصلت لقلب أوروبا بُنيت على سواعد الجد، وروح العزة والشموخ رغم القتل تحت التعذيب، والهجرة مع ترك كل حبيب والعيش بين اللهيب. فهولاء آبائي قدوة لكل لبيب، فمن أراد نصرًا مؤزرًا فليعمد إلى العمل وليترك الجدل.
 
أيها الإخوة الكرام هذه مرحلة من مراحل الصراع بين الحق والباطل تتغير فيها أجزاء من المعادلة، ومن ثم يتغير فيها أماكن أصحاب أخذ القرار، فبعد أن كنت مستبعدًا بالكلية أصبحت رقمًا مهمًا في اللعبة السياسية، فعلينا أن نتحرك وفق قدراتنا وإمكاناتنا، لا أن نطير بأجنحة بلاستيكية غالبا ما تتكسر في أول رحلة جوية! علينا أن ننتبه حتى لا يتم سحبنا لمعارك فى غير وقتها، ففى الفترة القادمة لدينا مسئوليات ضخمة تتطلب جهودًا جبارة، أمتنا ظلت مستعمرة فكريا وسياسيا وعسكريا لفترة طويلة غُيرت مفاهيم، وبُدلت أفكار، وكُثرت البدع والضلالات.
 
وأصبحت حقيقة هذا الدين غريبة بين أبنائه ومحبيه فما بالكم بغيرهم؛ لذلك كثرت الفرق وتشتت الجهود وتشرزم المتشرزمون؛ لأنهم قد ابتعدوا عن النور والضياء.
 
فنحن نحتاج إلى وقفة صادقة بيننا وبين أنفسنا لنرى هل نحن أهل الآن للنصر والتمكين؟ أم أننا بحاجة ملحة لمزيد من بذل الجهد واستفراغ الوسع؟ فإن أمة التوحيد تحتاج إلى استجلاء هذا التوحيد وبثه بوضوح بين العالمين، بل وتربية الخلق عليه حينئذ ستُرفع رايات الشرف والعزة والكرامة وسيتسابق الناس نحو التضحية بالنفس والمال من أجل رفعة رايتنا الوحيدة راية التوحيد.
 
أيها الإخوة الكرام، العالم يتغير، والمستقبل للإسلام، والشواهد تدل على ذلك بوضوح أوروبا تتحرك بثبات نحو الإسلام، الأسرة الغربية تضمحل يومًا بعد يوم.
 
والأسر المسلمة تحافظ على تقدمها ولو ببطء وعدد الذين يدخلون في الإسلام في زيادة مضطردة. العالم العربى والإسلامى يتحرك نحو الإسلام كعقيدة وشريعة، ولن يوقفه أحد، فإن لحظات استيقاظ التنيين المخدَّر تأخذ وقتا ولكن حينما يفيق بالكلية سيكتسح كل من يقف أمامه.
 
الحنين إلى الجهاد وسقيا الأرض بالدماء فى سبيل رفع راية الإسلام أصبح أمرًا واقعًا يقبل عليه الشباب المسلم الذي تخلص من ربقة التعلق بالدنيا والاهتمام بالكرة والموضة !!
 
الأنظمة العميلة العتيقة تسقط الواحدة بعد الأخرى بعد أن أفسدت الأرض والزرع، وحاربت الهوية وزرعت المر! ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره .
 
نحتاج أن نستثمر سقوط الأنظمة في زراعة الأرض من جديد دون أسمدة فاسدة ولا ضمائر خربة.
 
وهذا يحتاج منا إلى تضافر الجهود فالأرض شاسعة وكبيرة وفصيل واحد لا يكفي في حصرها، فما بالك بزراعتها!! ولكن أن يحاول بعض الفصائل في القضاء على الأخرى؛ ليستمتع بزراعة الأرض بمفرده، فهذا يذكرني بمن أراد هدم جبل بفأس وحيدة !
 
إخواني الكرام إذا أردنا أن نحكم الشريعة كاملة كما أُنزلت فعلينا أن نضحي لذلك، فإن المطالب العالية الكبيرة لا تأتي عن طريق اللافتات ولا الميكروفونات ولا التأسيسية ولا البرلمانات الديمقراطية!! وحالنا الآن يحتاج إلى رويِّة وتصور صحيح
 
حتى لا نستمر في الانشطار، ونصبح أثرا بعد عين وكثير منكم إذا دقِّق في كلامي سينتبه لما أقول، فإن المُنبَت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، لا أقصد تثبيطًا لأحد عن أن يتقدم نحو ما يريد ويقينا فى مثل هذه الأمور تختلف الأفهام فكلُ يريد وصلاً بالرحمن، وكل يؤخذ من قوله ويُرد إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن تذكرة رأيتها واجبة فى هذا الوقت العصيب، أسأل ربي أن يفقهنا في الدين، وأن ينعم علينا بالفهم العميق وأن يجنبنا وبلادنا مكر الماكرين وتسلط المستبدين وعودة الظالمين.
***************
هذا مقال لى كتبته على صفحتى فى الفيس بوك بتاريخ 19/11/2012 فى الأيام الأخيرة للجمعية التأسيسية للدستور المصري لعام 2012 يوم أن كانت الرئاسة للدكتور محمد مرسي فرّج الله كربه والشاهد منه هو أن ننتبه لهذه العبارة "وحالنا الآن يحتاج إلى رويِّة وتصور صحيح" حتى لا نستمر في الانشطار، ونصبح أثرًا بعد عين !!