عاجل

الشبهة التاسعة.. وهي أقبحهم!! اتهامهم العلماء بمنع الجهاد والقعود عنه

  • 136

علامة خطيرة لأهل البدع أنهم يسفهون أهل العلم ويطعنون فيهم وفى ديانتهم؛ وهذا عمل يدل على صفتين خبيثتين أولاهما: العجب بالنفس وبالعمل وأنهم يرون أنهم هم وحدهم الذين ينبغي أن يتحدثوا باسم الإسلام لأنهم يضحون بحياتهم من أجله، أما العلماء العاملون في الدعوة إلى الله فهؤلاء لا حق لهم في الكلام؛ فهم يتكلمون وهم متكئون على الأريكة (بزعمهم)!
 
الصفة الثانية القبيحة: أنهم لا يقبلون النصيحة من أهل العلم، ويرون كل مخالفة لهم في الرأي غرضها أن تمنع الجهاد؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سوء الظن بمن لا يستحق منهم سوء الظن.
 
بينما عدَمُ حثِّ الشباب على الذَّهاب إلى ساحة الجهاد في بلدٍ ما لا يَعني تثبيطَهم عنه، ولا تنفيرَهم منه؛ فهناك فرقٌ بين التَّثبيط عن الجِهاد والتنفيرِ منه، وبين عدم الحثِّ عليه، لا سيَّما إذا كان عدَمُ الحثِّ راجعًا إلى مقصدٍ شرعيٍّ.
 
وتحذيرُ عالمٍ من العُلماء من الذَّهاب إلى ساحة الجهاد في بلدٍ ما، لا يَعني تحذيرَه من الجِهاد بإطلاق؛ فقد يكون ظهَر له سببٌ دَعاه إلى ذلك.
 
و تحذيرُ عالمٍ من العلماء من الذَّهاب إلى ساحة الجهاد في بلدٍ ما، تحتَ راية فصيلٍ من الفصائل، لا يَعني تحذيرَه من الجهاد تحت راياتٍ أُخرى في ذاك البلد نفْسه؛ فقد يكون ظهَر له غلو هذا الفصيل واعتدالُ غيره. (هذه إشارات أشار إليها الشيخ علوى عبد القادر السقاف في مقاله "إشكالية الغلو في الجهاد المعاصر")، وقال أيضا في نفس المقال:
 
«العلماء الرَّبانيُّون ورَثةُ الأنبياء، وهم مصابيح الهُدى في دياجير الدُّجى، بهم يُرشَد الضالُّ، ويُهدَى الحيران، رفَعهم الله بالعِلم، وزيَّنهم بالحِلْم، وهم الذين أمَر الله بردِّ المتنازَع فيه من الأحكام إليهم، ومع ذلك فهُم غيرُ معصومين؛ فقد يُخطئ الواحد منهم، والاثنان، والثلاثة، وأكثر؛ وفي هذه الحالة لا نَقبل منهم خطأهم ولا نتَّبعهم فيه، لكن أن تجتمعَ كلمتُهم، أو جمهورهم في مسألةٍ ما - وقد تكون من النَّوازل-  ثمَّ لا يُكترَثَ لها، ويظلَّ فِئامٌ من الناس لا يُلقون لها بالًا، ولا يستمعون إليهم، ويصرُّون على التعصُّب لأقوال مَن يُوافق مراداتهم، مع تخوينٍ ظاهرٍ لعامَّة أهل العلم- فهذا عينُ الحِزبيَّة التي لا نرضاها لشباب هذه الأمَّة.
 
ورأيُ جمهور أهل العلم الصَّادقين النَّاصحين في نازلةٍ من النوازل، لا شكَّ أنَّه الأقربُ للصَّواب، أمَّا اللَّهْث وراء الفتاوى الحماسيَّة العاطفيَّة - التي تفتقِد  إلى كثيرٍ من العِلم والفِقه بالواقع، ومراعاةِ مآلات الأمور، والحِلم والأناة- فهو من الجَهل والتعصُّب الذي ابتُليت به الأمَّة  قديمًا وحديثًا. وممَّا يؤدِّي إلى مِثل هذا الاحتقان والنفرة من مشايخ العِلم والحِكمة - التي ينبغي أن يقِف عندها الشباب وقفةَ إنصافٍ- ما يُردِّدُه بعض المهتمِّين بالجهاد من أنَّ هؤلاء المشايخَ يسعَون لإسقاط رموز الجهاد، ويُسفِّهونهم، ويحقِّرون خِطابهم، وأنَّهم يَسعَون لإسقاط الجهاد نفْسه؛ وهذا لعمرُ الله افتراءٌ على المشايخ، والأصل: أنَّ العلماء والدُّعاة الربانيِّين يُعظِّمون الجهاد، ويَحفظون لأهله قدْرَهم، لكن ليس معنى ذلك أن يسكُتوا عن غلو أو أخطاءٍ في اجتهاداتِ بعض المجاهدين؛ فالله قد عاتَب خيرَ هذه الأمَّة - صحابةَ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ورضِي عنهم وأرضاهم- وهُم في ساحة المعركة، فقال: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152]، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (نزلتْ فينا يومَ أُحُد).
 
 فمِن الخطأ أن يُعدَّ الحديث عن أخطاء المجاهدين وغلو بعضِهم إسقاطًا لرموز الجهاد، لكن بعض مَن يردِّد ذلك للأسف ينظُر إلى الجهاد نظرةً حزبيَّةً ضيِّقة، فالجهاد عنده هو جهادُ فصيلٍ بعينه، ورموزُ الجهاد هم فلانٌ وفلان؛ فمَن حذَّر من هذا الفصيل أو أخطاءِ بعضِ رموزه، فقد أسقط الجهادَ كلَّه حتَّى لو دعم الفصائل الأخرى، بل لو شارَك فيها بنفْسه! وهذا من تحجيمِ الجهاد وتقزيمه في فصيلٍ بعينه، وساحاتُ الجهاد لا تتحمَّل مِثلَ هذه الحزبيات؛ {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، والعجيبُ أنَّك تجد بعضهم إذا أيَّد أحدُ العلماء أو طلابُ العلم الكبار حركةً جهاديَّةً صادقةً غير حركتهم، أو أثنى عليها، اتَّهموه بالحزبيَّة!».