عاجل

بائع الثلج المسكين !

  • 1432


ذكر ابن الجوزي في كتابه (المُدهِش) أن رجلًا كان يبيع الثلج، فكان ينادي عليه فيقول: «ارحموا من يذوب رأس ماله»!

لقد كان هذا الرجل يستدِرّ عطف الناس وأموالَهم بأن بضاعته تذوب مع الوقت فتفنى؛ فلو لم يبع الثلج لذاب، ولضاع رأس المال، فهو ينادي في السوق: «ارحموا من يذوب رأس ماله» أي: اشتروا مني الثلج وإلا ذاب وضاع رأس مالي كله.

هذا الرجل خسارته دائمًا فادحة، ثم هي خسارة لا يمكن تعويضها، ولا الهروب منها، لذا فهي خسارة عظيمة، بخلاف باقي التجار؛ فالتجار يخسرون أرباحهم، لكن على أسوأ أحوالهم بضاعتهم ما تزال قائمة، ولذا فلقد كان كافيًا للرجل في بيان فداحة ما يلحقه من خسارة أن يبين للناس أن رأس ماله في تناقص مستمر مع كل دقيقة تمر من الوقت..

أتدري أيها القارئ أننا أكثر غبنًا في أوقاتنا من هذا البائع في ثلجه؟!

نعم؛ إن من يضيع أوقاته إنما يضيع أنفاسه وعمره، ويصرفه في لا شيئ، إنه أكثر غبنًا من ذلك البائع المسكين، ولقد قال النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، ومعنى كونه مغبون أن خسارته فيه فادحة لكنه لا يشعر.

إن الأمر كما قال الحسن البصري: «يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك».

ولا تظن -أخي الكريم- أن إضاعة الوقت قاصرة على اللهو واللعب، لا والله، بل مظاهر ضياع الوقت كثيرة لكننا لا نشعر..

إن انشغالك بالمفضول عن الفاضل نوع من تضييع الوقت..

إن انشغالك في غير هدفك نوع من إضاعة الوقت..

إن انشغالك في غير ما يعود عليك بالنفع في الآخرة هو ضياع الوقت..

وتأمل حديث النبي ﷺ: «كل الناس يغدو، فبائع نفسه؛ فمعتقها، أو موبقها».

نعم! أنا وأنت بضاعتنا هي أنفسنا -التي هي أوقاتنا- ونحن بائعوها لا محالة..

فرابحٌ في بَيْعِه، أو خاسر..

لكن الخطب الفادح أن الخسران هنا خسران عظيم مبين، لأنه لا يعقبه تعويض الخسارة.. مهما حصل..

ولقد كان تعبير الشاعر دقيقًا جدًا حينما قال:

والوقت أشرف ما عنيت بحفظه  ::  وأراه أسهل ما عليك يضيع .

اللهم أعننا على استعمال أوقاتنا في مراضيك.