تزكية النفوس وسلامة القلوب مِن أسباب النصر

  • 267


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عني الإسلام عناية عظيمة بتزكية النفوس، وتطهير القلوب مِن الأمراض والآفات، بل كان ذلك مِن مقاصد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ(آل عمران:164)، فكان -صلى الله عليه وسلم- يعمل على تطهير النفوس مِن الشرك، والنفاق، والمعاصي، والأمراض الكثيرة التي يُصاب بها كثيرٌ مِن الناس: كالرياء والحقد، والحسد، والكبر، والعجب، والتنافس على الدنيا، وسوء الظن، وغير ذلك.

- قال ابن رجب -رحمه الله-: "ولم يكن أكثر تطوع النبي -صلى الله عليه وسلم- وخواص أصحابه، بكثرة الصوم والصلاة، وإنما ببرِّ القلوب وسلامتها ومحبتها، وتعلقها بالله؛ خشية له، وتعظيمًا له، وإيمانًا به وإجلالاً" (لطائف المعارف).

وهذه العناية العظيمة بتزكية النفوس، إنما كان لها هذه المنزلة في دين الله -تعالى-؛ لما لها مِن أثر عظيم في نجاة الفرد والمجتمع، ولما لها مِن دورٍ رئيسي في جلب النصر، وحصول التمكين.

ولا أدل على ذلك: مِن أن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- تأخر عليهم النصر في غزوة "حنين" لعُجْبٍ عَارِض كاد أن يكون سببًا فيهزيمتهم -فالعجب يحبط العمل ويفسده-، حيث قال بعضهم معجبًا بكثرة عدد المسلمين: "لن نغلب اليوم عن قلة!"؛ فأنزل الله: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(التوبة:25).

فأفادت الآية الكريمة أن مِن أسباب الهزيمة وتأخر النصر: الخلل في أعمال القلوب، ووجود أمراضها، كما حذر -سبحانه- مِن التنازع والاختلاف الذي يؤدي إلى الفشل والهزيمة، فقال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(الأنفال:46).

وفي غزوة "أُحُد" كانت إرادة الدنيا مِن بعض الصحابة سببًا في حصول الهزيمة: قال الله -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ(آل عمران:165)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مَا كنتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ الدُّنْيَا، حَتَّى نَزَلَ فِينَا مَا نَزَلَ يَوْمَ أُحُدٍ: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ(آل عمران:152)".  

فبقدر إخلاص القلوب لله، وسلامتها مِن الأمراض والآفات بقدر ما تنال مِن توفيق الله -تعالى-، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ(رواه النسائي، وصححه الألباني).

أما عن سبيل تزكية النفس وسلامة القلب:

فإن هذه النفوس غير الزكية، لا تطهر ولا تُزكى إلا بآيات الله -عز وجل-، وما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(الإسراء:82)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله مِن سائر الأدواء والأمراض، فكان يقول: (اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا(رواه مسلم)، وكان مِن دعائه الشريف: (وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومِن أنفع العلاجات لأمراض القلوب: قيام الليل، والخشوع في الصلاة، وكثرة النوافل والدعاء".

نسأل الله أن يزكي نفوسنا، ويطهر قلوبنا، وأن ينفعنا وينفع بنا.