الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أ- شعيب -عليه الصلاة والسلام-:
تكررت قصة شعيب -عليه السلام- في القرآن
الكريم عقب قصة لوط -عليه السلام-، في إشارة للترتيب الزمني للأنبياء، ويؤيد ذلك تصريح
شعيب -عليه السلام- نفسه في قوله -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ لَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ
قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89)، ويبدو أن قوم لوط وقوم شعيب -عليهما السلام- كانوا
قريبين في الزمان والمكان.
وقصة
شعيب -عليه السلام- في القرآن الكريم تكاد تكون قصة نموذجية لمسيرة الدعوات
الربانية عبْر الزمن والتاريخ،
فالبداية والأولوية في دعوة شعيب -عليه السلام- لقومه -كبقية الأنبياء- هي الدعوة
للتوحيد وعبادة الله -عز وجل-، ومِن ثَمَّ كان علاج الآفات الاقتصادية التي تفشت
بينهم على قاعدة أن ذلك مِن الفساد المحرم الذي لا يرضاه الله -عز وجل-: (يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ
يَوْمٍ مُحِيطٍ . وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ . بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (هود:84-86).
وكعادة
الدعوات الربانية في أن تجد صدًّا وعناًدا مِن النخبة الظالمة التي ترى في
الرسالات النبوية حدًّا لإفسادها وزجرًا عن طغيانها، ولضعف حجتها تهرب للتهديد
والوعيد: (قَالُوا
يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا
ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود:91)، ولما ثبت شعيب -عليه السلام- على الحق ولم تزعزعه هذه
التهديدات الفارغة تحول الملأ لمحاولة تخويف وتهديد المؤمنين كما بيَّن -تعالى-: (وَقَالَ
الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا
إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) (الأعراف:90)، (لَنُخْرِجَنَّكَ
يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي
مِلَّتِنَا) (الأعراف:88)، في وقاحةٍ لا تزال متوارثة بيْن أجيال
الطغاة بطرد المؤمنين أو إجبارهم على قبول باطلهم!
ورغم ذلك
خاطبهم شعيب -عليه السلام- بأن لا يجعلوا القضية شخصية فقال لهم: (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ
شِقَاقِي) (هود:89)، لكنهم سخروا منه وطلبوا العذاب: (فَأَسْقِطْ
عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (الشعراء:187)، فيوصي شعيب -عليه السلام- المؤمنين به بالصبر: (وَإِنْ
كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ
يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ
الْحَاكِمِينَ) (الأعراف:87)، فتكون العاقبة: (فَأَخَذَتْهُمُ
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . الَّذِينَ كَذَّبُوا
شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا
هُمُ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف:91-92)، حتى يدرك المؤمنون أن الزمن يعمل دومًا
لصالح منهج الأنبياء ومَن يصبرون على الثبات عليه.