ودق ناقوس الخطر! التربية الجنسية (7)

  • 659

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- وفي هذه الفترة العمرية من (15 - 18) سنة: لا بد أن يعلم آثار الزنا المخيفة على النفس والمجتمع.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "والزنا يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانيًا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله. فالغدر، والكذب، والخيانة، وقلة الحياء، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للحرام، وذهاب الغيرة من القلب: من شعبه وموجباته.

ومن موجباته: غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملِك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة.

ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.

ومنها: ظلمة القلب، وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له.

ومنها: الفقر اللازم.

ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده.

ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء، وهو اسم: العفة، والبر، والعدالة، ويعطيه أضدادها، كاسم: الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.

ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (متفق عليه).

ومنها: أن يعرّض نفسه لسكنى التنُّور الذي رأى النَّبيُّ فيه الزناةَ والزواني -أي حديث المنام الطويل في عذاب القبر-.

ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبث الذي وصف الله به الزناة كما قال الله -تعالى-: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) (النور:26)، وقد حرَّم الله الجنة على كل خبيثٍ، بل جعلها مأوى الطيبين، ولا يدخلها إلا طيب، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32)، وقال -تعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر:73)، فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم.

والزناة مِن أخبث الخلق، وقد جعل الله -سبحانه- جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميَّز الخبيث من الطيب، وجعلَ الخبيثَ بعضه على بعض، ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيبٌ، ولا يدخل الجنةَ خبيثٌ.

ومنها: الوحشة التي يضعها الله -سبحانه وتعالى- في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومَن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومَن جالسه استوحش به.

ومنها: قلة الهيبة التي تُنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة.

ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده.

ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم؛ تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت مِن صاحبها ونادت عليه، ولكن كما قيل:

كـلٌّ به مثـل ما بـي غـيـر أنهـم          من غيرة بعضهم للبعض عذال

(عذال: أي لائم).

ومنها: ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصدهم، فإن مَن طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه: عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببًا إلى خيرٍ قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة، والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش؛ لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة، والفوز بثواب الله وكرامته.

ومنها: أنه يعرّض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقَّدم أن الله -سبحانه وتعالى- إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة: فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله: ضيِّق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام: فاته نظيره يوم القيامة.

ومنها: أن الزنى يُجرئه على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرًا إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك، وهو يدري أو لا يدري فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجندٍ من المعاصي قبلها، وجند بعدها، وهي أجلب شيءٍ لشرِّ الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها: عز على الناصحين استنقاذه، وأعيا الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يُفدى، وقتيلها لا يُودى، وقد وكَّلها الله -سبحانه- بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبدٌ: فليودع نِعَم الله؛ فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم) (الأنفال:53)، وقال -تعالى-: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:11). فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر" (اهـ من "روضة المحبين"، ص 360 - 363).

وقد جاء في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- التي قصها على الصحابة الكرام: (فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ... فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا... ) وفي آخر الحديث سأل عنهم -صلى الله عليه وسلم- فقيل: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي... ) (رواه البخاري).

وهذا عذابهم في البرزخ حتى تقوم الساعة؛ فكيف للعاقل أن يستهين بذنبٍ هذه عقوبته في الدنيا والآخرة؟! نسال الله العافية.

- وفي شيوع الزنا فشو للأمراض الجنسية الخطيرة مِن: سيلان، وزهري، وإيدز، وغير ذلك كثير، يقول الدكتور "كنج" في كتابه: (الأمراض الزهرية): "إن الآمال التي كانت معقودة على وسائلنا الطبية الحديثة في القضاء أو -على الأقل- الحد من الأمراض الجنسية، قد خابت وباءت بالخسران، إن أسباب انتشار هذه الأمراض تكمن في الظروف الاجتماعية وتغير السلوك الإنساني؛ فقد انتشرت الإباحية انتشارًا ذريعًا في المجتمعات الغربية" اهـ.

صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

يتبع -إن شاء الله-.