الفَتَّاح

  • 51

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فحينما يضيق منك الرزق، ويشتد بك الأمر، ويزداد الهم همًّا، ويجتمع عليك الحُزن والحَزن، فالمؤمن يتذكر أن ربه -جل وعلا- هو الفتاح القدير، الذي بيده مقاليد وخزائن السماوات والأرض، وعطاؤه جزيل، ومِنَحُه ليس لها مثيل، وبركته -إن شاء- تعم الكبير والصغير، والعظيم والحقير، وإحسانه فاق كل الحدود، وتجاوز كل الحواجز والسدود، ورحمته لا يقف في وجهها واقف، ولا يقدر عليها غيره؛ فهو القادر، لم يزل بعلمه حكيمًا عليمًا، وبأمور عباده مهيمنًا بصيرًا.

فاللهم لك الحمد حمدًا يوافي عطاءك، ويستزيد فضلك، ويستمطر رضوانك: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر: 2).

وحينما يحوطك الألم، ويسكنك المرض، وتلزم ما لم تكن تلزمه، ويغيب عنك أقل القليل من الأمل، وتشعر بأن كل الأبواب في وجهك مغلقة، والحواجز محكمة، والبشر عليك متهكمة، وتعيش كأنك وحيد؛ فإذا بالفتاح يفتح لك ما كان أمامك مغلقًا، فلا باب غير بابه، ولا قدرة غير قدرته، فإذا فتح لك بابًا فلن تستطيع أي قوة أن تغلقه، وإذا قدَّر عليك مرضًا فلا شفاء غير شفائه.

وإذا ضاقت بك الطرق؛ فلا طريق غير طريقه به تسر، وعليه تحيا وتسعد، ولا عطية مثل عطاياه، ولا جود مثل جوده، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌يَدُ ‌اللهِ ‌مَلْأَى ‌لَا ‌يَغِيضُهَا ‌نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ) (متفق عليه).

ساعتها تشعر أنك غني بالفتاح، معافى به، وعظيم الشأن بتنفيذ أمره.

وحينما يظلمك الظالمون، ويفتري عليك المفترون، ويقوي عليك الجبابرة والأقوياء، فالفتاح فتاح، لا يظلم مثقال ذرة ولا أقل من ذلك، ولا يغيب عن ملكه غائب، ولا عن علمه عالم ولا جاهل، ولا ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا عن تدبيره لشؤون خلقه تدبير؛ فلنسجد على بابه، ولنحفظ دينه بحدوده وفرائضه، وأركانه وأحكامه، ولنحفظ له عهده علينا وميثاقه، ولنرفع أيدينا لجنابه ونناجيه بكل ما همنا، ونتذلل إليه ذلًّا يرفع مقامنا عنده، ويعلو من قدرنا بين يديه.

فيا فتاح، افتح لنا من خيراتك وبركاتك ورحماتك، وعلمك وحكمتك، وقدِّر لنا ما يغنينا عن كل مخلوق

من خلقك، فإنك ولي ذلك والقادر عليه.