النظام العام والآداب

  • 80

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتُعبِّر فكرة النظام العام في فقه القانون -بصفة عامة- عن الأسس الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها نظام المجتمع، والتي تهدف إلى تحقيق الحد الأدنى الذي لا يمكن الاستغناء عنه في بناء الجماعة وكيانها.

وعلى ذلك كانت القواعد المتعلقة بها، من القواعد الآمرة التي لا تملك إرادة الأفراد إزاءها أي سلطان أو قدرة علي مخالفتها؛ لما في ذلك من تعريض كيان المجتمع للانهيار والتصدع، وعدَّها أستاذ القانون الفرنسي "كاربونييه" Carbonnier الصخرة التي يُؤسس ويُبنى عليها المجتمع.

وتُعدُّ الآداب المظهر الأخلاقي الأكثر خصوصية للنظام العام، ومصدرها: الدِّين والعرف، ولو لم يكن هناك دستور؛ لكان النظام العام والآداب دستور البلاد.

فالنظام العام يحكم سلوك الأفراد داخل المجتمع، ويحول دون تعارضه أو تصادمه، مع المصالح العليا للمجتمع، حيث يُشكِّل مظلة يتعيَّن على الكافة أن يستظل بشرعيتها، ويكون البطلان والعقاب جزاء الخروج عليها، فيُعد تعبيرًا عن روح النظام القانوني للمجتمع عامة، وهذه الروح تشكل قاعدة للبنيان المجتمعي المراد تنظيمه، فلا يقتصر مداه على ناحية معينة من نشاط المجتمع، بل يشمل كل مظاهر النشاط وميادينه، ويتوغل في مساماته.

إنه فكرة ترمي إلى حماية المجتمع والأسس الجوهرية التي يقوم عليها، ويستهدف المصالح العامة التي تعلو على مصالح الأفراد. وإذا كانت العلمانية مِن النظام العام في فرنسا، والهندوس يعتبرون البقرة حيوانًا مُقدسًا، فكان احترامها وتبجيلها مِن النظام العام في الهند؛ أفلا تكون الشريعة الإسلامية هي أساس النظام العام والآداب في البلاد الإسلامية؟! 

ويرجع مصطلح النظام العام والآداب في الشريعة الإسلامية إلى القواعد العامة التي تحقق حفظ الضروريات الخمس: "الدين - النفس - العرض - العقل - المال"، وهي التي تحفظ كيان المجتمع، وكيان الوطن الذي يحيا فيه المجتمع والأفراد، وتحقيق مصالحه العامة، فهما متقاربان؛ بيد أن المفهوم في الشريعة أوسع منه في القانون.

وقد ربط المشرِّع المصري بين فكرة النظام العام والقاعدة القانونية؛ الأمر الذى تولد عنه تقسيم القاعدة العامة الى قواعد آمرة وأخرى مكملة، ورَتَّب آثارًا وأحكامًا على جعل القاعدة القانونية مرتبطة بالنظام العام، فقرر المشرع حماية خاصة للقواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام؛ نظرًا لأهميته ودوره الكبير في قيام كيان المجتمع.  

حيث قرر المشرِّع البطلان على كل اتفاق أو إجراء يخالف النظام العام، وجعل لكل ذي مصلحة حق التمسك به، كما يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع ببطلان الإجراء من خلال محامي صاحب الحق؛ لمخالفته النظام العام في أي مرحلة تكون عليها الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة النقض؛ شريطة أن تكون عناصره الواقعية كانت مطروحة في مراحل النزاع من قبل، وهذا ما قررته محكمة النقض في حكمها الصادر في الطعن رقم 327 لسنة 52 ق جلسة 22-11- 1987م.

فيُعدُّ النظام العام -والآداب- قيدًا يرد على مبدأ سلطان الإرادة وعلى حرية التعاقد.

وقد عرَّفت محكمة النقض القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام بأنها: قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة، تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، وتعلو على مصلحة الأفراد، فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم، حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص يجرمها أو لم يرد.

محكمة النقض - الطعن رقم 9715 لسنة 90 ق - الدوائر المدنية - جلسة 20 يونيو 2021.

وتتمثل العناصر التقليدية للنظام العام في:

- الأمن العام.

- الصحة العامة.

- السكينة العامة.

وورد قيد النظام العام والآداب في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالمادة رقم 29 / 2. وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة رقم 12 / 3، والمادة 14 / 1، والمادة 18 / 3، والمادة 19 / 3 ب، والمادة 21، والمادة 22 / 2.

كما ورد في القوانين المصرية، وعلى سبيل المثال: قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، بالمواد 86، 190. والقانون المدني رقم 131 لسنة 1948 وتعديلاته، بالمواد 200، 266، 551.

ويُسبب هذا القيد القانوني حساسية مُفرطة للبعض، حيث إنه مصطلح فضفاض، يتم توجيهه بحسب أهواء السلطة أحيانًا.

ومع التسليم بأن مصطلح النظام العام والآداب نسبي مرن؛ إلا أن القرارات الإدارية الصادرة بشأنه تخضع لرقابة القضاء في التطبيق، ويمكن الحكم بوقف تنفيذها وإلغائها.