المزاح المدمِّر!

  • 54

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا شك أن المزاح الصادق الهادئ الهادف يدخل السرور على الناس، ويقوي روابط الأخوة والمحبة بين الناس، لكن هناك نوع من المزاح يدمر صاحبه أولًا ثم يدمر مَن حوله، وهو أخطر من الأسلحة العادية، لا سيما إن كان المازح بارعًا في التمثيل والأفكار الحديثة، كمن ينشر مقطعًا على مواقع التواصل يبدأ بطرح موضوع مهم يجذب الانتباه والتركيز، وفي آخر المقطع يظهر شيء مخيف جدًّا بشكل مفاجئ، ولو أرسل هذا المقطع لامرأة حامل أو مريض قلب أو شيخ كبير أو طفل صغير، قد يتسبب في جلطته أو موته، أو يختبئ خلف شجرة أو جدار، أو في مكان مظلم ثم يظهر فجأة، أو يلمح بخبر وفاة أو مرض أو رسوب شخص كذبًا، ثم يقول: أنا أمزح!

بل أحيانًا المزاح المروع يترتب عليه الضمان في بعض الحالات، كمن قصد تخويف طفل فمات أو ذهب عضو من أعضائه، فيعد فعله جريمة وعليه الدية حسب نوع الضرر الذي وقع، وفي دراسة حديثة نشرت عام ٢٠١٥ في المجلة البريطانية، وجد الباحثون ان الترويع والتخويف والمزاح المدمر، ومشاهدة أفلام الرعب تؤدي إلى زيادة تخثر الدم مما يؤدي للإصابة بالجلطات القلبية، وإن كنا لا نحتاج لدراسات او استدلالات من غيرنا؛ فقد شدد وحذر الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من التخويف والترويع، ففي الحديث الشريف: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وقد سمعنا كثيرًا عن رجل يشير لأخيه بحديده أو سكين، أو أي آلة حادة، فينقلب المزاح إلى جريمة لا ينفع معها الندم، رغم تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ).

حتى المزاح الذي يروع الطير نهى عنه نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في سنن أبي داود من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفَرَّشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا).

ومِن أخطر أنواع المزاح: أن يكون في شيء من دين الله، كالقرآن أو السنة أو الصحابة، فقد حدث هذا بالفعل من بعض المنافقين، واعتذروا بقولهم: (إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وجاء الجواب من الله فيه أشد وأصعب وأقوى حكم على المازح بالباطل (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة:65-66)، ففكر قبل أن تتكلم أو تفعل شيئًا لتضحك به الناس، فكل شيء سيكتب وستبكي على نفسك، ويحاسبك رب الناس.