جرفهم طوفان الأقصى

  • 296

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

- استيقظنا في صباح السابع من أكتوبر على وقع اقتحام فصائل فلسطينية لجدار الحصار الإسرائيلي البغيض، الذي تفرضه عصابة الكيان الصهيوني على إخواننا في فلسطين، استيقظنا وكأننا لم نستيقظ، وكأننا نشاهد حلمًا، فما سمعناه أشبه بالأحلام!

- فها هي الفصائل تهاجم برًّا فتخترق جدارَ الفصل وتندفع نحو الأرض المحتلة، فتهاجم النقاط العسكرية والمستوطنات، بعد أن حيَّدت كل وسائل الإنذار والمراقبة فائقة التكنولوجيا، ليجد الجندي الإسرائيلي -الذي لا يقاتل إلا مِن وراء جدر- نفسه وجهًا لوجه مع كابوس القتال المباشر مع صاحب الأرض ومالك الحق.

- كما هاجمت المقاومة جوًّا؛ فقد وَجَد اليهود جنود المقاومة يطيرون بأسلحتهم فوق رؤوسهم ويقطعون عشرات الكيلو مترات! ثم وجدوا المسيرات الانتحارية تلاحقهم، ثم وجدوا البحر يلقي عليهم هو أيضًا بجنود المقاومة، ولولا أن ذلك تنقله وسائل الأخبار صوتًا وصورة؛ لكان من الصعب تصديق ما قام به أولئك الأبطال.

- ثم أطلق المقاومون على حربهم: "طوفان الأقصى"؛ في إشارة أن تلك الحرب جاءت ردًّا على الاعتداءات المتكررة والآثمة من قِبَل قطعان المستوطنين تجاه قبلتنا الأولى ومسرى نبينا.

- جرف "طوفان الأقصى" في طريقه دعاية التفوق العسكري والاستخباراتي والتقني الإسرائيلي، فكما كانت المياه كلمة السر في تدمير خط بارليف، كانت تقنيات المقاومة البسيطة كلمات سر في انهيار جدار العزل الذي أقامه اليهود ليحموا أنفسهم وجيشهم والمغتصبين من المستوطنين لأراضينا وديارنا، فقد كشف الطوفان عن ارتباك شديد في صفوف المؤسسات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، نداءات استغاثة من المستوطنين لا تُسمع، وإذا سمعت فلا مجيب، وإذا أجيبت فالمجيب مفقود أو مأسور!

- جرف "طوفان الأقصى" دعاوى حقوق الإنسان التي يطلقها الغرب ومِن ورائه أمريكا؛ فلا ترعف أنوفهم إلا عندما يتألم اليهود، ولا يتسابقون في التنديد والوعيد، وتقديم المساعدة إلا عندما يستغيث اليهود وأبناء اليهود ونساء اليهود.

- جرف "طوفان الأقصى" في طريقه أناسًا من جلدتنا يتحدثون بألسنتنا، ويتسمون بأسمائنا، ولكن قلوبهم وألسنتهم علينا، فقد بادروا بالتنديد بأفعال المقاومة مِن الهجوم على مَن استوطن أرضهم واحتلها ونهبها، عندما دمَّر رجال المقاومة جدار الحصار وانطلقوا خلفه، فإنما انطلقوا في أرضهم وأرض آبائهم فوجدوا فيها أناسًا لا يتكلمون لغتنا وليسوا منا، جاءوا مِن كل بقاع الأرض وبنوا البيوت واغتصبوا الأرض، واحتلوا البلاد!

فماذا يصنعون معهم؟!

هل يقابلونهم بالورود والترحاب، أم يلقوا عليهم السلام، أم يقولون لهم هنيئا مريئًا؟!

إن المحتل المغتصب السارق المتجبر ليس له إلا المقاومة والتشريد والأسر، وأما تسوية بعض من يتحدثون العربية بين اليهود والفلسطينيين؛ فإنها خيانة للدِّين والأمة، فما تكون الخيانة إن لم تكن هذه خيانة؟!

- جرف "طوفان الأقصى" في طريقه أحلام المطبعين والمهرولين نحو اليهود؛ أخذ الطوفان أحلام مَن ظن أن النهوض والتقدم أو أن الأمان والاستقرار لن يأتيه إلا من طريق إسرائيل! ألقى الطوفان كل تلك الأحلام في البحر المتوسط، بجوار ميناء حيفا!

- جرف "طوفان الأقصى" الدِّين الإبراهيمي ودعاة الدين الإبراهيمي، وألقى بهم في تلك الصفحات التي تطوى مِن كتاب التاريخ، فها هي الأمة من شرقها لغربها يوالون في الله ويعادون في الله، يفرحون بفرح إخوانهم في فلسطين ويتألمون بآلامهم، تلهج ألسنتهم بلعن اليهود وأنصار اليهود وأعوان اليهود.

- نعم سارعت أوروبا وأمريكا بإعلان الدعم وحركت أمريكا حاملة طائرات في رسالة لدول الجوار أن اتركوا إسرائيل تنتقم؛ لعلها تعيد جزءًا من كرامتها وشرفها المستباح.

- نعم تحركت طائرات إسرائيل تلقي الأطنان على أهلنا في غزة.

- ونعم تلوح إسرائيل بالاجتياح البري لغزة، لتقول للمقاومين: إن ما فعلتموه سيكون مؤلمًا جدًّا لأهلكم وعائلاتكم.

- نعم يراق الدم الفلسطيني، وتهدم بيوتهم.

نعم نحزن ونتألم، ولكن ليسوا سواءً، قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ليسوا سواء فالله مولانا ولا مولى لهم، ليسوا سواء (‌وَتَرْجُونَ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌مَا ‌لَا ‌يَرْجُونَ) (النساء: 104).

- فنتائج "طوفان الأقصى" ستطارد إسرائيل إلى أن يشاء الله، فتلك البوابة التي فتحت الأمل في جلاء اليهود، وهذه الهمة في مقاومة المحتل، لم تكن لتحدث لولا الله ثم عزيمة هؤلاء الرجال، وذلك الخزي والذل، والتخبط والمهانة التي أصابت اليهود وجند اليهود ومستوطني اليهود لن تمحى.

- سيرحل نتنياهو وسيُحاكم قبل أن يرحل، وسيختم حياته السياسية بتلك الفضيحة؛ حتى لو عربد الآن وقصف وقتل واجتاح، سيرحل عما قريب يجر أذيال الخيبة، وستبقى فلسطين وسيبقى أهلها مقاومين منتصرين محررين، وستتغير معادلة الأمان الإسرائيلي، وستتجدد مفاهيم توازن الرعب، وسينشأ جيل رأى بشائر النصر وعزائم الرجال ليكمل المسير نحو التحرير، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

فاللهم إنا مغلوبون فانتصر، اللهم إخواننا في فلسطين سدِّد رميهم ووحِّد صفهم، وداوِ جراحهم، واروِ ظمأهم، وأمدهم بجند السماء، إنك على كل شيء قدير.