وبارك لي فيما أعطيت

  • 65

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فما أحوجنا في هذه الأيام التي نعيشها التي قَلَّت فيها البركة وتشعَّبت فيها الأفكار، وضاقت الأوقات أن يسأل المؤمن ربَّه البركة، فالعبرة ليست بكثرة الأوقات ولا الأموال، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "وليست سعة الرزق والعمل بكثرته، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق وطول العمر بالبركة فيه" (الداء والدواء).

فإذا كان الأمر كذلك، فعلى المؤمن أن يجتهدَ في تحصيل أسباب البركة، ومِن أعظمها: سؤال الله -تعالى- البركة في شَتَّى شئوننا من الأهل والمال، والصحة والعمر، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَالْبَرَكَةُ ‌مِنَ ‌اللهِ) (رواه البخاري)؛ ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه -سبحانه- كما في قنوت الوتر: (‌وَبَارِكْ ‌لِي ‌فِيمَا ‌أَعْطَيْتَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فهو -صلى الله عليه وسلم- تذلَّل وتضرَّع لربه -سبحانه- بسابق نعمه وفضله عليه، فكما أن النعمة والعطاء منك، فبارك لي فيه.

والأمر الثاني: الاجتهاد في تحصيل الإيمان والتقوى والعمل الصالح؛ الذي تُنَال به بركات السماء والأرض، كما قال -تعالى-: (‌وَلَوْ ‌أَنَّ ‌أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: 96).

ومنها: صلة الرحم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (رواه البخاري).

قال ابن حجر -رحمه الله-: "معنى البسط في الرزق في صلة الرحم: البركة فيه، وفي العمر: حصول القوة في الجسد؛ لأن صلة أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال وتزيد فيه، فينمو بها ويزكو" (فتح الباري).

 وكذا على النقيض اجتناب الذنوب والمعاصي التي هي مِن أعظم أسباب محق البركات وضياع الخيرات، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن عقوباتها: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة. وبالجملة فإنها تمحق بركة الدِّين والدنيا؛ فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممَّن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال الله -تعالى-: (‌وَلَوْ ‌أَنَّ ‌أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، وقال -تعالى-: (وَأَلَّوِ ‌اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا . لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (الجن: 16-17)، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" (الداء والدواء).

فعلى العبد أن يكثر مِن التوبة والاستغفار والإنابة التي تحصل بها البركات، ويجتنب آثار المعاصي والذنوب.

فاللهم ربنا أنت ولینا فاغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة، وفي الآخرة إنا هدنا إليك، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.