عاجل

رفقاء إلى الجنة

  • 37

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمِن التجارب المميزة في مجال القرآن الكريم -ولا سيما بين النساء- (رفيقة الحفظ والتلاوة)؛ حيث تتعاهد بعض الأخوات -من خلال بعض وسائل التواصل- متابعة بعضهن بعضًا في تعلم القرآن الكريم، تلاوةً وتصحيحًا، وحفظًا ومراجعةً، من خلال أوراد بالقراءات المختلفة، قد تصل في اليوم إلى خمسة أجزاء أو أكثر في بعض الأحيان.

ولا شك أن هذه التجربة الفريدة المباركة تحقق العديد من الثمرات التربوية والإيمانية، أهمها: التعاون على البر والتقوى، وهذا مما رغب فيه الإسلام، وأمر به، قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: ليُعن بعضكم بعضًا على البر، والبر: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين".

ومن ثمرات هذه الرفقة المباركة: أنها تَشُدُّ الأزر، وتقوي العزم، على حفظ كتاب الله -تعالى- وتعلم أحكامه، قال -تعالى-: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه: 29-32).

قال السعدي -رحمه الله-: "مدار العبادات كلِّها والدِّين على ذكر الله -عز وجل-، فسأل موسى -عليه الصلاة والسلام- ربَّه -عز وجل- أن يجعل أخاه معه، يتساعدان ويتعاونان على البرِّ والتَّقوى، فيكثر منهما ذكر الله مِن التَّسبيح والتَّهليل وغيره مِن أنواع العبادات".

ومن ثمرات رفقة القرآن المباركة: تحقيق الأخوة الإيمانية والتعارف بين المسلمين، فتجد في الحلقة الواحدة أخوات من بلدان شتى، فهذه من مصر، وهذه من الكويت، وتلك من أوروبا، وهذه من المغرب، وهذه من سوريا، وأخرى من أمريكا وهكذا، وهذا التعارف والتآلف سُنَّة إلهيَّة، وأساس لا غنى عنه لقوة الأمَّة الإسلاميَّة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13)، فالغاية من الحياة تحقيق العبودية لله -عز وجل- وتحقيق تقواه، ولن يتم ذلك ويَكْمُل إلا في صحبةٍ متعاونةٍ على الخير والبر والعمل الصالح.

وتحقيق الأخوة الإيمانية وتحصيل ثوابها من أهم ثمرات هذه الصحبة الطيبة؛ فالإخاء الصحيح هو إخاء العقيدة الخالصة لله -تعالى-، لا إخاء المنافع الزائلة أو الغايات الدنيا، وهذه الأخوة منحة قدسية، وإشراقة ربانية، يهبها الله -عز وجل- للمخلصين من عباده، والأتقياء من خلقه؛ لذلك يكافئهم الله -تعالى- بأن يظلهم في ظل عرشه يوم القيامة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ‌أَيْنَ ‌الْمُتَحَابُّونَ ‌بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي) (رواه مسلم).

فيا رفقة القرآن، تمسكوا بهذه الصحبة المباركة، فهي رفقة عالية الإسناد! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أبْشِرُوا فَإِن هَذَا القُرآنَ ‌طَرَفُهُ ‌بِيَدِ ‌الله وطَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فإِنَّكُمْ لَنْ تَهْلَكُوا ولَنْ تَضِلَّوا بعدَهُ أبَدًا) (رواه الطبراني، وصححه الألباني)، وهي نعيم الدُنيا وعونٌ على الثبات، وذخر ينفع بعد الممات، فكُل المجالس يوم القيامة تكون ترة على أصحابها إلا مجالس الذكر وحِلَقِ القرآن؛ فهم أهل الله وخاصته.