عاجل

الشيخ أبو إدريس الذي عرفت!

  • 345

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا أعرف من أين أبدأ الكلام عن شيخي الحبيب محمد عبد الفتاح أبي إدريس، فمهما تكلمت أعرف أني لن أوفيه حقه فهو ركن من أركان كيان علمي دعوي تربيت في أرجائه، كيان له بصمة في كل أنحاء مصر في كل أنحاء العالم، فالحديث صعب عن هذا الجبل الشامخ الذي كان كمنار هدى بيننا بسلوكه وأخلاقه وعلمه وسمته ودله.

شيخنا الفاضل عرفته منذ وعيت المنهج السلفي وسمعت باسمه يتردد هنا وهناك بين طلبة العلم ومشايخ الدعوة، فمن قائلٍ الشيخ الفقيه.. ومن قائل الشيخ الأصولي.. ومنهم من يقول الشيخ مدرسة في القيادة والإدارة حاد الذكاء، يظهر ذلك على محياه وفي نظراته الثاقبة مع ديانة ظاهرة وورع مشهور وقلة كلام وتواضع جم... إلخ.

كل ذلك أسمعه فأتشوف وأتشوق لرؤيته.. لرؤية هذا الجبل الأشم!


ثم قدر الله تعالى أن التقي بالشيخ بصورة شخصية أكثر من مرة، وبصورة إدارية وعلمية كذلك مرات، وكذلك الاطلاع على بعض أبحاثه وكتبه، فإذا بي أرى ما كان يقوله الناس متجسدًا في شخص الشيخ، بل فوق ما يقولون!

سأحاول باختصار جدًّا أن أستعرض بعض تلك المعالم لرسم صورة لشخصية الشيخ نستلهم منها القدوة لشخص قاد كيانا ضخما من مشايخ وطلبة علم ومستويات مختلفة التفكير والعلوم المتنوعة فهو بمثابة رائد المدرسة السلفية في العصر الحديث في مصر.


الجانب العلمي للشيخ:

تميز الشيخ رحمه الله بالنَّفس العلمي فمنه ينطلق في اختياراته المختلفة وتلمس ذلك في مؤلفاته وتحقيقاته العلمية ومقالاته ومحاوراته والكلمات الناصحة الأمينة التي كان يلقيها على أبنائه ولعلنا في مقال آخر نلقي الضوء على هذه الملحمة العلمية الإثرائية.


أخلاقه وسمته وتدينه وورعه:

كان الشيخ رحمه الله غاية في الأخلاق العالية يلمس ذلك منه كل من تعامل معه فهو دمث الأخلاق متواضع خفيض الصوت عف اللسان ما رأيته يغتاب أحدًا، يتميز في التعامل مع الناس بالحكمة والإنصاف والصدق غاية في الورع والزهد وتجنب ما فيه شبهة، بذولًا للنصيحة لأبنائه وأقرانه، صبورًا على ذلك دائم التذكير مع ابتسامة دائمة وحنو تلمسه من كلامه مع الإشفاق على إخوانه وتصحيح مسارهم دائمًا.


قيادته وإدارته:

كان الشيخ رحمه الله حاد الذكاء يظهر ذلك على محياه، له هيبة وقوة شخصية تؤهله للقيادة، فكان قائدًا مديرًا، أو مديرًا قائدًا، يدير بالحب أحيانًا كثيرة ذا شخصية آسرة، ويدير بالصرامة أحيانًا مع حنو القائد، مطبقًا للوائح العمل على نفسه في المقام الأول قبل أن يلزم بها الآخرين.

والشيخ كان له منهجية في العمل الجماعي والشورى يرى توريثها لأبنائه.

هذه الشخصية أهلته مع ما معه من علم جم وأخلاق عالية لقيادة هذا الكيان من نشأته إلى وفاته فيما يربو على خمسين سنة، تكاد تتفق الكلمة عليه من كبيرهم وصغيرهم، وهذا أمر قلما نجده في الكيانات الكبيرة مع اتفاقهم على أهليته وأحقيته بذلك؛ مما يدلك على استحقاقه لمكانته عن جدارة مع عظيم قدر من تحته من مشايخ وطلبة!

وعلى المستوى الشخصي قد احتككت بالشيخ في ذلك قديمًا في أول موقع للدعوة على الشبكة أواخر التسعينيات تقريبًا أو أوائل الألفيات بعنوان: "إسلام استار"، مع نخبة من الإخوة وكنت حينها "مراجع المقالات" علميًّا وفكريًّا وإخراجًا، فلمست فيه ما أقول، وإن كانت فترة قصيرة، لكن كانت هناك احتكاكات علمية ودعوية وإدارية أخرى بصورة متكررة بحكم الانتساب لهذه الدعوة وهذا الكيان. وإن كنت لم أبلغ نهمتي من الاستفادة المرجوة منه رحمه الله، ولكن قد فات أمر الندم على ذلك!


الجوانب الفكرية والمنهجية عند الشيخ:

كان رحمه الله تام الانضباط بمنهج السلف وبالفكر السلفي لا يخرج عن ذلك قيد أنملة فيما يظهر لنا، ولا نزكيه على الله، حاثًّا لأبنائه وإخوانه ألا يخرجهم الخلاف مع الآخرين أو محاولة التطور أو واقع الأمة عن هذا الخط. ويرى أن في ذلك الضمانة الأكبر لاستمرار المسيرة وقوة الكيان وتوريث المنهج للأبناء، وأن ذلك ما حافظ على الدعوة وقوتها ومسيرتها الناصعة البيضاء وقوة قراراتها؛ لأنها انطلقت من دين ومنهج صافٍ، وليس من عواطف أو تأثر لحظي!


وأخيرًا:

الكلام عن الشيخ لا تسعه هذه المقالة، وإنما هذا كلامٌ من رأس القلم. ولعل الله يقيض من أبناء الدعوة من يضع جامعًا لترجمة هذا العَلَم الفذ والقائد الموفق بالله!

والله المستعان.