مشروع السويس.. بين مرسي والسيسي

  • 113

(إجابة بسيطة على السؤال الهام: ما الفارق بين المشروعين؟؟؟!!!)

لا يشك مصري في أن مشروع تنمية محور قناة السويس? وتعظيم الاستفادة منها هو مشروع قومي طموح، وهو أمل المصريين -بإذن الله- للارتقاء باقتصادهم المنهار، لذا فإن طرح الأمر -كفكرة- ليس وليد اليوم أو الأمس، وليس من إنجازات النظام الحالي أو السابق، ولكنها فكرة قديمة مطروحة منذ زمن، والفارق بين الأنظمة المختلفة هو في الاستعداد للتطبيق، وفي تفاصيل المشروع، التي قد تجعله فتحا وإنجازا، وقد تجعله كارثة ووبالا، وكما يُقال "الشيطان يكمن في التفاصيل"...

والآن دعونا نضع جانبا مزايدات المزايدين من الجانبين، التي تجعل بعض دراويش هذا المعسكر يصورون الأمر وكأن المشروع المطروح الآن مسروق بالحرف من مشروع الدكتور مرسي، وتجعل دراويش المعسكر الآخر يهللون للمشروع ويصفونه بالإنجاز التاريخي، رغم جهلهم التام بالفارق بينه وبين المشروع السابق الذي هاجموه بشدة ووصفوه بالعمالة والخيانة، دعونا نترك هذه المزايدات والمهاترات، ونعرض -باختصار ودون الدخول في التفاصيل الفنية- الفارقين الرئيسيين بين المشروع الحالي، وبين المشروع المقترح من الإخوان:

-أولا: المشروع المطروح حاليا يتكون من شقين رئيسيين، الشق الثاني منهما هو المتعلق بإقامة المشروعات الجديدة في منطقة القناة، وهذا -كفكرة- هو موضع اتفاق بين المشروعين، أما الشق الأول من المشروع الحالي فهو الخاص بحفر قناة جديدة بطول 72 كم، لتسهيل مرور السفن في القناة من الاتجاهين، وزيادة الطاقة الاستيعابية للقناة وسهولة الملاحة فيها، مما يضاعف من إيراداتها ومن إقبال السفن على المرور فيها، وهذا هو المشروع الذي دشنه السيسي بالأمس، وأوكل القيام به إلى الشركات المصرية وحدها، وتحت إشراف القوات المسلحة، وأعلن له الاكتتاب العام من المصريين فقط، وحاول -بذكاء السياسي- أن يجعله مشروعا قوميا يجتمع حوله المصريون، وهذا الجزء من المشروع -إذا تم- هو إنجاز بلا شك، ولم يكن مطروحا أصلا في المشروع السابق، فلا مجال للمزايدة عليه...

-ثانيا: لو نظرنا إلى الجزء المشترك -كفكرة- بين المشروعين، وهو الخاص بتطوير منطقة القناة، واستغلالها في مشروعات جديدة تنعش الاقتصاد وتفتح سوقا جديدة لفرص العمل، سنجد أن المشروع الحالي لم يجعل منطقة القناة -في سبيل ذلك- (إقليما مستقلا)، وإنما جعلها منطقة كسائر مناطق الدولة، تسري عليها قوانين الدولة ولوائحها، وتتولى إدارتها -بالأساس- القوات المسلحة، كما هو المفروض في التعامل مع منطقة بهذه الحساسية والخطورة، وتقوم هذه الإدارة بتوزيع المشروعات على الشركات المصرية والأجنبية وفق ضوابط معينة، ووفق قوانين المناقصات والمزايدات المعمول بها.
أما مشروع القانون المقترح من قبل، فقد كان يقضي بجعل منطقة القناة (إقليما شبه مستقل)، يتولى إدارته مجلس إدارة مدني في غالبية أعضائه، يتبع الرئيس مباشرة، ولا يملك أحد -إلا الرئيس- تعيين وفصل أعضائه، ويتولى هذا المجلس -وحده- وضع جميع القوانين واللوائح والنظم التي تسري داخل الإقليم، بلا أي رقابة -تقريبا- من أي من مؤسسات الدولة، اللهم إلا الجهاز المركزي للمحاسبات، ويتولى المجلس -وحده- تخصيص وتأجير الأراضي، وإسناد المشروعات للشركات، دون التقيد بقوانين الدولة، وكأنه دولة داخل الدولة...
ويكفي لبيان ذلك ما ورد نصا في المادة 10 من القانون: "يتبع مجلس الإدارة -دون التقيد بقانون المناقصات والمزايدات وقانون تنظيم المشاركة مع القطاع الخاص وقانون تنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة- طرق الإدارة الحديثة والاستغلال الأمثل لإمكانات الاقليم وثرواته ومخصصاته، وفقا لما هو متبع في المشروعات الاقتصادية الخاصة، وتبين اللائحة التنفيذية هذه الطرق، ولمجلس الإدارة في سبيل ذلك أن يضع الهيكل التنظيمي وقواعد تنظيم العمل بالهيئة...".
هذه المواد وأمثالها هي التي جعلت الجميع يستشعر الريبة تجاه المشروع السابق، وأنه محاولة لوضع منطقة القناة بكامل مشاريعها تحت التصرف المطلق لإدارة غير مقيدة بقوانين البلاد أو خاضعة لرقابة مؤسساتها، وإنما تتبع الرئيس فقط، أو بمعنى أدق تتبع مكتب إرشاد جماعة الإخوان، التي كانت الوقائع تثبت أن فكرة (الوطنية) عندها مشوشة، وأنها ربما تُقدّم أمورا معينة على مصلحة البلد، وهو ما جعل الجميع يرفضون المشروع، ويرونه خطرا على الأمن القومي، لاسيما الجيش والمخابرات وهيئة قناة السويس، وحتى القانونيون الذين يُعرفون بميولهم الإسلامية، ووطنيتهم غير القابلة للمزايدة، كالمستشار البشري وغيره.

هذه -ببساطة- هي أبرز الفروق بين المشروع القديم -الذي كان يُتوقع له أن يكون كارثة حقيقية على بلادنا، ومادة للصراع والصدام بين مؤسسات الدولة-، وبين المشروع الجديد، الذي ندعو الله أن يكون فاتحة خير على هذه البلاد، التي عانى شعبها الكثير، ولايزال البعض يتاجر بمعاناته ويسعى لمضاعفتها حقدا وكيدا، والله المستعان على ما يصفون.