"شومان": هناك كاتب معروف بشذوذه الفكري يسعى إلى الضرب المباشر في الثوابت الدينيَّة

  • 59

قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف السابق، إن الأونة الأخيرة شهدت تطبيقا خبيثا لكاتب معروف بشذوذه الفكري يسعى إلى الضرب المباشر في الثوابت الدينيَّة من خلال الأفلام والمسلسلات التي يؤلفها هذا الكاتب.

وأوضح شومان في مقال له بعنوان "التشكيك في مصادر الأحكام جريمة مكتملة الأركان"، أن هذا الكاتب المعروف بعدائه للثوابت وتشكيكه الدائم فيها، مضيفا أنه قد نسي أو تناسى هذا المخرِّب والمضلِّل أنَّ المشاهدين ليسوا بهذه السذاجة والسطحيَّة التي يظنها.

وتابع شومان قائلا: "سبب هذا المقال هو ظهور تطبيق جديد لنشر هذا الفكر الخبيث من خلال مسلسل من الأعمال الرمضانيَّة لكاتب معروف بشذوذه الفكري، وسعيه الدؤوب لنشر فكره الخبيث الذي تطور إلى الضرب المباشر في ثوابت دينيَّة تلقفتها الأمة بالقبول والإيمان خلال قرون الإسلام الماضية، كالتشكيك في المعراج، وانتقاد الصحابة والتطاول عليهم، ووصفهم بالقتلة الأوائل، ومدح تقديس الهندوس للبقر، وذم صلاة التراويح، واعتبار استخدام مكبرات الصوت في صلاتها من الإرهاب..."

وأضاف شومان قائلا: "وبعض لقطات منشرة على مواقع التواصل الاجتماعي من مسلسله كافية للوقوف على الرسالة التي يريد إيصالها للمتابعين، وهي أنَّ مالم يرد في القرآن الكريم بنص صريح ينطق بحكم المسألة ، فهو حكم يقبل النقاش حتى لو كان واردًا في السُّنَّة الصحيحة، وحتى لو كان من الوضوح لدرجة انعقاد إجماع الأمَّة عليه، وهو ما يعني عدم الاعتراف بمصادر التشريع وحصرها في القرآن وحده، حيث تظهر الممثلة وهي تناقش ممثلًا يؤدي دور عالم أزهري  فتسأله: هل قال ربُّنا بنفسه إنَّ المطلقة إذا تزوجت تفقد استحقاقها للحضانة؟ وحين يحاول الشيخ إقناعها بأنَّ هذا هو حكم الشرع الذي قال به الفقهاء ؛ تقول : يعني ربنا لم يقل وأنتم من قال، وطبعًا من جملة أنتم "رسولنا" – صلى الله عليه وسلم- لأنَّه هو القائل  لأم طُلِّقَتْ فأراد والد الطفل انتزاعه منها: " أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي"، وهذا لا يكفي عند كاتب الحوار طالما لم يرد في القرآن، وهذا تجسيد لمنهج القرآنيين في شكل درامي، مع أنَّ الكاتب لا يمكن وصفه بالمتحيِّز لكتاب الله، فكتاب الله نفسه لم يسلم من انتقاداته، وقد تابعه الملايين وهو يقول سلطانية سلطانية) بطريقة غنائية فجة ساقطة، ولكن بما أنَّ مسلك القرآنيين يخدم هدفًا خبيثًا في فكره فلابأس من استخدامه." 

وواصل وكيل الأزهر الشريف السابق كلامه قائلا: "ولقد نسي أو تناسى هذا المخرِّب والمضلِّل أنَّ المشاهدين ليسوا بهذه السذاجة والسطحيَّة التي يظنها، وهم يعلمون أنَّ مصادر الأحكام الشرعيَّة غير محصورة في القرآن الكريم، بل معه السُّنَّة المطهرة، وإجماع علماء المسلمين، والقياس على أصول ثبتت فيها أحكام من القرآن أو السُّنَّة ، ومصادر أخرى اجتهاديَّة يعرفها أهل الاختصاص، وهذه المصادر ثابتة كلُّها بكتاب الله الذي يدَّعون أنَّهم يتمسكون به، ولا يعترفون إلا بما ورد فيه من أحكام، ففي كتاب الله  آيات تقطع بحجيَّة السُّنَّة وأنَّ الوارد فيها من أحكام كالأحكام الواردة في القرآن  الكريم ومنها:{ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}،ومنها :{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}،ومنها: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ومنها :{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} ،وغير ذلك من الآيات كثير كلها آيات صريحة ومباشرة قالها الله – عز وجل- (بنفسه) تدل دلالة قاطعة على أنَّ الثابت بسنَّة النبي- صلى الله عليه وسلم – هو والثابت بكتاب الله سواء، وكأنَّ الثابت بالسُّنَّة نزل به الوحي من السماء في وجوب الاتباع، حتى إنَّ الله – عز وجل – جعله شرطًا للإيمان الصحيح فنفي صحة إيمان من لم يحكِّم رسول الله في كلِّ أمر عرض له إذا لم يجد حكمه في كتاب الله ،كما أنَّ كتاب الله دل على اعتبار إجماع علماء الأمَّة مصدرًا للأحكام يأتي في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسُّنَّة كقوله – تعالى - :{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }، . قال ابن كثير :" وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً تَحْرُم مُخَالَفَتُهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ، بَعْدَ التَّرَوِّي وَالْفِكْرِ الطَّوِيلِ ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الِاسْتِنْبَاطَاتِ وَأَقْوَاهَا " .  

وأفاد شومان : "فسبيل المؤمنين هو ما اتفقوا عليه وارتضوه، ومنه ما اتفق عليه علماء الأمة من أحكام، وقد توعَّد ربُّ العالمين من خالفه بجهنم وبئس المصير، وهذا أمر مباشر بوجوب اتباع ما ارتضاه علماء الأمة واعتبروه سبيلًا لهم، كما أنَّ كتاب الله استنبط منه العلماء دليلًا على مشروعيَّة مصدر الأحكام الرابع وهو القياس، وذلك من قوله – تعالى- :{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}٠".

وأكد أنك "الاعتبار هو قياس حالنا على حالهم حتى لا تكون  نهايتنا مثل نهايتهم ، فإذا فعلنا ما فعلوه خرَّبنا بيوتنا بأيدينا ، وهذا هو عين القياس ، حيث يقيس العلماء فرعًا فقهيًّا يراد معرفة حكمه على أصل ثبت حكمه بالكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع، ووجدوا علة حكم أصل متحققة في الفرع، وبذا يكون حكم الفرع كحكم الأصل ،  فإذا أردنا أن نعرف حكم المسكرات التي ليست من التمر أو العنب قسناها على شبيهها وهو الخمر الذي ورد فيه حكم قاطع في كتاب الله: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وبذلك يكون كتاب الله الذي يزعمون التمسك به قد دلَّ على المصادر الأخرى التي يحاولون صرف الناس عنها لصرفهم عن الإيمان بكثير من ثوابت الأحكام". 

وأشار إلى أن: "كتاب الله ليس فيه آية تدل على عدد الصلوات في اليوم، ولا عدد الركعات في كلِّ صلاة، ولا كيفيَّة الصلاة من بيان لأركانها كالقيام والقراءة والركوع والسجود ...وليس فيه بيان لنصاب الزكاة، ولا القدر الواجب إخراجه، وليس فيه هذا التفصيل الذي نعرفه في كيفيَّة الحج..."

وأضاف شومان: "وإذا كان كتاب الله ليس فيه ما يتعلق بتفاصيل أركان الإسلام، وإنما الاكتفاء ببيان فرضيتها وبعض أحكامها المجملة؛ فماذا عن بقيَّة الأحكام الشرعيَّة التي نعرفها من كتب فقهنا، ومنها ما يناقشه هذا المسلسل من استحقاق الأم للحضانة، حيث لم تسأل الممثلة عن وجود آية تثبت الحضانة للأم إنَّ هي طلقت؛ لأنَّ هذا يضعف قضيتها، لكنها تسأله عن وجود آية تسقط حضانتها إن هي تزوجت، وهو منطق مقلوب ففيما يحقق مصلحة يُقْبَلُ حكم السُّنَّة عندهم؛ لأنَّ إثبات الحضانة للأم ثابت بها وليس بالقرآن، وفيما يتعلق بحق الغير يطلبون دليلًا من القرآن الكريم، وإلا فلا يعترفون بإسقاط حضانة الأم إن هي تزوجت! مع أنَّ القضيَّة لا تحتاج إلى هذه السفسطات، فزواج الأم يحرمها من حضانة الطفل إن خشي منه على الصغير وليس مطلقًا، فقد يقبل والد الطفل بقاء الطفل في حضانتها، ثم إن كان هذا التعصب الأعمى للمرأة فأين حقُّ الطفل نفسه، وأين حقُّ والده الذي شارك أمَّه في إنجابه؟!".

واختتم شومان حديثه قائلا: "وقد يتدرج هؤلاء لتطبيق هذا المنهج فيسألون عن آية تبيِّن عدد الصلوات في اليوم؛ وإلا فلا يعترفون بأنها خمس صلوات، وآية تبيِّن مواقيتها، وآية تبيِّن كيفيتها، وآية تبيِّن تحريم صوم الحائض والنفساء، وآية تثبت أنَّ الطواف حول الكعبة سبعة أشواط، وأخرى تبيِّن أنَّ السعي مثل الطواف عددًا....وبذلك ينتهي أصحاب هذا المنهج الخبيث لهدم منظومة الأحكام الشرعيَّة بدعوى أنَّها ليست ثابتة صراحة بآيات في كتاب الله".