عاجل

الحرب الروسية الأوكرانية توقظ المارد الألماني

  • 55
الفتح - ارشيفية

يبدو أن الغزو العسكري الروسي لجارته أوكرانيا أيقظ المارد الألماني النائم منذ عام 1945م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ فقد تحدث المستشار الألماني أولاف شولتز بعد يومين فقط من بدء الغزو أمام برلمانه في شهر فبراير الماضي ووصف الغزو الروسي بأنه يعد نقطة تحول تهدد نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وألغى القواعد المتعلقة بصادرات الأسلحة الألمانية، وحدد ميزانية تسليحية لجيشه مقدارها 100 مليار يورو؛ أي 107 مليارات دولار.

تحوُّلٌ خطير

هذا التحول الخطير في السياسة الألمانية ينبغي التوقف عنده؛ فحتى وقت قريب كانت برلين تحاول جاهدة التعويض عما ارتكبته من أخطاء قديمة من خلال جنوحها إلى السلم مهما كانت الأسباب والمبررات، لكن تلك الحرب الدائرة غيرت –ليس الفكر الألماني وحده- بل الفكر الأوروبي كذلك؛ حيث باتت القارة الأوروبية تشعر بالعجز في مواجهة الدب الروسي القوي؛ وبِناءً على ذلك سرَّعت برلين خطواتها من الناحيتين الدستورية والعملية في سبيل إعادة تسليح قواتها المسلحة وَفْقَ ميزانية جديدة ضخمة، حيث أبرم الحزب الاشتراكي الديمقراطي –الحزب الحاكم- في أواخر الشهر الماضي اتفاقًا مع المعارضة المحافظة لتخصيص الأموال اللازمة لتحديث الجيش كي يستطيع مواجهة التهديد الروسي المحتمل؛ فألمانيا تخشى من تطور الحرب حتى مرحلة المواجهة المباشرة مع روسيا مثلما حدث سابقًا في القرن الماضي.

ومنذ عام 1990م وعدد جنود الجيش الألماني 200 ألف فقط، بعدما أصدرت حكومة البلاد قرارًا بتقليله  من 500 ألف إلى 200 ألف، عقب انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ولم تتطور قواتها المسلحة منذ ذلك الحين بما يتواكب مع التطور العسكري العالمي.

تاريخٌ كبير

للجيش الألماني قصة تاريخية كأحد أقوى الجيوش العالمية خلال القرن الماضي؛ فقد تجاوز تعداده 18 مليون مقاتل إبَّان فترة الأربعينيات، لكن الوضع تغير الآن فبات جيشًا ضعيفًا غير مؤهل يخشى من طموحات موسكو داخل القارة، هذا الجيش الذي صار تحت زعامة هتلر قوةً هجومية مدمرة غيرت موازين القوى العسكرية على مستوى العالم، بجانب اعتماده على التجنيد الإجباري الشامل للمواطنين الألمان؛ وكان هذا سببًا في زيادة عدده عن 18 مليون مقاتل. لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انتهت أسطورة هذا الجيش المرعب، وتكالبت "دول الحلفاء" عليه وقرروا نزع سلاحه وتقليم أظافره، ومذَّاك الحين وتعيش برلين حالة من السلم الدولي مع بلدان العالم كافة، لكن إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا عسكريًّا جدَّد مخاوف الألمان من طموحاته؛ ما دفعهم إلى ضرورة تطوير قواتهم المسلحة بما يدفع عنهم هذا الدب المتوحش.

بداية الصعود

وفي أوائل حقبة التسعينيات من القرن الماضي اشتركت القوات الألمانية –ضمن قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"- في مهام دعم السلام حول العالم، واستمر الوضع كذلك حتى عام 2014م حينما ضم بوتين شبه جزيرة القرم لبلاده، بدأ التخوف الألماني من طموحات روسيا لا سيما مع وجود مشكلات داخل القوات الألمانية تمنعها من الوفاء والقيام بمهمات "الناتو" والمشاركة في الدفاع عنه، تتمثل في وجود خلل داخل أنظمة الأسلحة والمدرعات والطائرات والسفن البحرية؛ بسبب عدم صلاحيتها للاستخدام الفوري نتيجة إهمال الصيانة الدورية، علاوة على النقص الشديد في المعدات وقطع الغيار؛ ومن أجل ذلك  أعلنت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل" خلال العالم التالي عن زيادة كبيرة في ميزانية الإنفاق العسكري الدفاعي، بجانب وضع خطط عملية لتطوير القوات المسلحة مثل زيادة أعداد الدبابات والغواصات، وتطوير الطائرات المقاتلة. ومنذ ذلك الحين بدأت القوات الألمانية في الصعود تدريجيًّا مرة أخرى حتى بلغ الإنفاق العسكري خلال عام 2020م نحو 52.8 مليار دولار، لكن رغم ذلك فقد كان هذا الرقم أقل من حجم الإنفاق العسكري في أي من دول الحلفاء، وقد انتقدها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أراد أن يصل حجم الإنفاق العسكري لأي دولة داخل "الناتو" إلى 2% من إجمالي إنتاجها المحلي، وظل التطور مستمرًّا حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية وفتحت شهية الألمان على التطوير والتحديث وبات إنفاقهم العسكري 107 مليارات دولار؛ ما يحقق هدف حلف شمال الأطلسي بخصوص نسبة الـ2%، وكذلك يضمن لألمانيا حماية عسكرية في مواجهة طموحات بوتين العسكرية والسياسية، وإذا استمرت تلك الحرب فلن يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ ما ينبئ بولادة ألمانيا جديدة.