"داعية": من رحمة الله ذكر بعض الحِكَم والغايات من تقدير الشر ووجود أهل الفساد

  • 41
الفتح - أرشيفية

قال أحمد شهاب، الكاتب والداعية الإسلامي، إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه ذكر بعض الحِكَم والغايات من تقدير الشر ووجود أهل الفساد، وإن كانت سعة حكمته سبحانه وتعالى لا تبلغها عقولنا؛ فهو الواسع سبحانه وتعالى.

وأوضح شهاب في مقال له نشرته "الفتح" أن من ذلك أن الله تركهم امتحانًا لعباده؛ ليرى أصحابَ الإيمان الراسخ؛ المقيمين على العهد، الحافظين للود، ويظهر كذلك شياطين الإنس والجن، وهو سبحانه أعلم بهم؛ لكن ليكون علمه علم شهادة، ويظهر هذا العلم للناس فلا يجحده جاحد، ولا يكون لمتحجج حجة.

وبين الداعية الإسلامي، أن هذا الأمر يحدث حتى يعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، ويعلم الذين آمنوا ويعلم المنافقين، وليعلم الله مَن ينصره ورسله بالغيب، وليتخذ منهم شهداء وأولياء وصلحاء.

ولفت شهاب إلى أن هذا هو ابتلاء وامتحان؛ ليتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى.

واستشهد بقول الله تعالى: "وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ ‌وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ"؛ "وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ": أي: ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف المزَّين، ولتلك الشبهات الزائفة، "أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ"؛ لأن عدمَ إيمانهم باليوم الآخر هو الذي يجعلهم يتقبلون تلك الآراء والشبهات، فيكونون محلًّا للفتن والشبهات، بل ينتقلون إلى مرحلة أسوأ، وهي الرضا بالباطل.

"وَلِيَرْضَوْهُ"؛ أي: بعد أن يصغوا إليه، فهم يصغون إليه أولًا، فإذا مالوا إليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة، رضوه، وزين في قلوبهم، وصار عقيدة راسخة، وصفة لازمة؛ فيصير الحق عندهم باطلًا، والباطل حقًّا.

وتابع قائلا: ثم ينتج من ذلك: أن يقترفوا من الأعمال والأقوال ما هم مقترفون، أي: يأتون من الكذب بالقول والفعل، ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة، وأن من حكمته: أن في ذلك بيانًا للحق، وتوضيحًا له؛ فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه؛ فإنه -حينئذٍ- يتبيَّن من أدلة الحق، وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه، ما هو من أكبر المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون"، كما قاله الشيخ السعدي رحمه الله وغيره من المفسرين.

وأفاد قائلا: وفي نفس المعنى يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: "أوضحنا من قبل أن الباطل جندي من جنود الحق؛ لأن الباطل حين يعض ويعربد في الناس يتساءل الناس: متى يأتي الحق لينقذنا؟! وأنك ساعة ترى مريضًا يتألم إياك أن تظن أن الألم قد جاءه دون سبب، بل الألم جندي من جند الشفاء. وكأن الألم يقول لمن يصيبه: يا إنسان تنبَّه أن عطبًا في هذا المكان فسارع إلى علاجه؛ ولذلك نجد أعنف الأمراض وأشرسها وأخبثها، هي الأمراض التي تأتي بلا ألم يسبقها، ولا تظهر أعراضها؛ إلا أن يستعصي شفاؤها، وهكذا نرى أن الألم جندي من جنود العافية.