هل يجب عليك أن تسامح من ظلمك؟.. باحث شرعي يوضح

  • 57
الفتح - أرشيفية

رد شريف طه، الباحث الشرعي، على سؤال : هل يجب عليك أن تسامح من ظلمك؟، موضحا أن الإجابة هي أنه  لا يجب ذلك، ولكنه أفضل.

وأضاف طه في منشور له عبر "فيس بوك" قائلا: أما أنه لا يجب فلقوله تعالى ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعدَ ظُلمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيهِم مِن سَبيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]، فإذا جاز له الانتصار، لم يكن العفو واجبا.

وتابع طه قائلا: ومن الأدلة أيضا : قوله تعالى  ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهرَ بِالسّوءِ مِنَ القَولِ إِلّا مَن ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَميعًا عَليمًا﴾ [النساء: ١٤٨]، وقد فسره السلف، بالدعاء على الظالم، وجواز الدعاء على الظالم يدل على عدم وجوب العفو، ومن ذلك أيضا : دعاء سعد بن أبي وقاص على المرأة التي افترت عليه، فدعا عليها فقال : اللهم  إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها.

وأوضح قائلا: أدلة جواز الدعاء على الظالم كثيرة، وكلها تدل على ما قدمنا، وإذا كان هذا الأمر مباحا، لم يكن مانعا من المغفرة والرحمة، فإن الله تعالى لا يبيح لعباده ما يمنعهم من المغفرة.

وأفاد طه قائلا: أما أن العفو أفضل فلقوله تعالى ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُها فَمَن عَفا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقوله تعالى ﴿وَلا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتوا أُولِي القُربى وَالمَساكينَ وَالمُهاجِرينَ في سَبيلِ اللَّهِ وَليَعفوا وَليَصفَحوا أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [النور: ٢٢]، وقد نزلت في أبي بكر لما حلف ألا ينفق على مسطح بعد الإفك، وأدلة أفضلية العفو كثيرة مشهورة لا تخفى.

ونوه طه قائلا: وها هنا تنبيهان مهمان جدا، موضحا أن الأول : أن العفو أفضل، بشرط الإصلاح، أما إذا كان العفو يؤدي لمزيد من الفساد فليس هو الأفضل، وقد تكون المصلحة الشرعية في هجر بعض الناس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الثلاثة الذين خلفوا، مستشهدا بقول ابن عبد البر: "أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته، وربِّ صرم جميل خير من مخالطة مؤذية" . انتهى. والصرم الجميل : الهجر والقطيعة التي لا إساءة فيها، ولكن يجتنب فيها من تؤذيه مخالطته ويفسد عليه دينه ودنياه.. فما أجمل عبارته.. وما أعمق فقهه!  

وواصل طه قائلا: وإذا جاز هذا، عُلم أنه ليس من الشحناء المذمومة؛ لما تقدم من أن الله تعالى لا يبيح شيئا يحول بين فاعله والمغفرة. ثم هو في حقيقته راجع لمصلحة الدين وليس لحظوظ النفس المذمومة. 

وبين الباحث الشرع أن التنبيه الثاني هو أن كثيرا من الناس يظن نفسه مظلوما، وقد يكون هو الظالم المعتدي، ولذلك فما قدمناه من الكلام عن الدعاء على الظالم، وعدم مسامحته، محله فيما تبين وجهه، ولم يكن ملتبسا، أي الظلم البين الصريح، وأما ما دون ذلك، فشأن المؤمن أن يتهم نفسه ويحسن الظن بإخوانه. 

وأردف: وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما أكثر من يعتقد أنه هو المظلوم المحق من كل وجه ، وأن خصمه هو الظالم المبطل من كل وجه ، ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون معه نوع من الباطل والظلم ، ومع خصمه نوع من الحق والعدل". انتهى. 

وقال طه: وذلك لأن الإنسان ظلوم جهول، يرى القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه!، ولذلك الحذر  تلبيس الشيطان وشركه وخداعه للمؤمن، بأنه لن يسامح من ظلمه، ويعيش الشخص في دور الضحية المظلوم، بينما يكون الواقع خلاف ذلك، وليحسن المرء الظن بإخوانه ويسئ الظن بنفسه ويتهمها.