لا أدري

  • 183

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .

ابتلينا في هذه الأيام بأنصاف المتعلمين ، وبالمتعالمين الذين يفتون بما لا يعلمون ، ورأينا جرأة شديدة على الفتوى ، لم تكن موجودة عند السلف الكرام ، ولا يعرف العلماء الربانيون العاملون هذه الجرأة على الفتوى .
فهيا أيها القارئ الكريم نعيش مع السلف الصالح في مسألة الفتوى ، وحالهم فيها .
سُئل الشعبي عن مسألة ، فقال: لا أدري ، فقيل له : ألا تستحي من قولك : لا أدري ، وأنت فقيه أهل العراق ؟
فقال: لكن الملائكة لم تستحي حين قالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] .
قال بعض أهل العلم : تعلّم لا أدري فإنك إن قلت لا أدري : علّموك حتى تدري ، وإن قلت : أدري سألوك حتى لا تدري . [ إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية ] .
قال ابن عباس : رضي الله عنهما إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله، وكذا قال علي بن حسين .
وقال مالك كان يقال إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله، وقال أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء .
وقال الشعبي لا أدري نصف العلم .

وبإسناد حسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من علم الرجل أن يقول لما لا يعلم " الله أعلم " لأن الله عز وجل قال لرسوله عليه الصلاة والسلام : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86].
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : العلم ثلاثة كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري .
وقال عبد الله سمعت أبي يقول : كان سفيان لا يكاد يفتي في الطلاق ويقول من يحسن ذا ؟ من يحسن ذا ؟ .
وقال في رواية أبي الحارث وددت أنه لا يسألني أحد عن مسألة ، أو ما شيء أشد علي من أن أسأل عن هذه المسائل ، البلاء يخرجه الرجل عن عنقه ويقلدك ، وخاصة مسائل الطلاق والفروج نسأل الله العافية .

إمام الدنيا سفيان الثوري يقول: عن مسائل الطلاق من يحسن ذا ؟ تعال يا إمام وانظر إلى حالنا اليوم الجهال وأنصاف المتعلمين وطلبة العلم يفتون في مسائل الطلاق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال سفيان لقد كان الرجل يستفتى فيفتي وهو يرعد .
وقال سفيان من فتنة الرجل إذا كان فقيها أن يكون الكلام أحب إليه من السكوت. وقال المروذي لأبي عبد الله إن العالم يظنونه عنده علم كل شيء .
ونقل محمد بن أبي طاهر عنه أنه سئل عن مسألة في الطلاق فقال سل غيري ليس لي أن أفتي في الطلاق بشيء، وقال في رواية ابن منصور لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى .
وقال في رواية المروذي إن الذي يفتي الناس يتقلد أمرا عظيما ، أو قال يقدم على أمر عظيم ، ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتي .
وسأل إسحاق بن إبراهيم أحمد بن حنبل عن الحديث الذي جاء { أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار } رواه الدارمي، ما معناه قال أبو عبد الله يفتي بما لم يسمع .
وقال محمد بن أبي حرب : سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يفتي بغير علم قال يروى عن أبي موسى قال : يمرق من دينه .
وقال مسلم البطين عن عزرة التميمي قال : قال علي بن أبي طالب : ما أبردها على الكبد ثلاثا، قالوا: وما هي ؟ قال : أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول الله أعلم .
وقال الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن عباس مثله .
وقال سفيان بن عيينة والثوري : عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتوى ، هذا لفظ رواية الثوري ولفظ ابن عيينة إذا سئل أحدهم عن المسألة ردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول .
وقال أبو حصين عثمان بن عاصم التابعي الجليل إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر .
فكيف لو أدرك أبو حصين هذا الزمان الذي نعيش فيه ماذا سوف يقول ؟؟ .

وقال القاسم وابن سيرين: لأن يموت الرجل جاهلا خير له من أن يقول ما لا يعلم .
وقال ابن مهدي سأل رجل مالك بن أنس عن مسألة فطال ترداده إليه فيها وألح عليه فقال: ما شاء الله يا هذا إني لم أتكلم إلا فيما أحتسب فيه الخير، ولست أحسن مسألتك هذه.
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق، وكان يقال التأني من الله، والعجلة من الشيطان .
ولا سيما إن كان من يفتي يعلم من نفسه أنه ليس أهلا للفتوى؛ لفوات شرط أو وجود مانع، ولا يعلم الناس ذلك منه فإنه يحرم عليه إفتاء الناس في هذه الحال بلا إشكال فهو يسارع إلى ما يحرم لا سيما إن كان الحامل على ذلك غرض الدنيا .
وقال مالك : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .

وأنت أخي الكريم من شهد لك أنك أهل للفتوى ، حتى تُفتي .
وقال سفيان : أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا حتى لا يجدوا بدا من أن يفتوا ، وقال أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها وأجهلهم بها أنطقهم فيها .
فكيف بك يا سفيان لو أدركت هذه الأيام التي نعيش فيها، ماذا سوف تقول ؟؟ .
وبكى ربيعة فقيل ما يبكيك ؟ فقال : استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم وقال ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق .
جاء رجل من أقصى المغرب بلاد الأندلس وسئل الإمام مالك في 52 مسألة ، فأجاب عن 16 مسألة ، وقال في 36 مسألة لا أدري ، فقال السائل بما أرجع للناس وماذا أقول لهم ؟؟ ، تبسم الإمام مالك وقال له : قل لهم مالك لا يدري .
وقال ابن وهب تلميذ مالك : لو طلب مني أن أملأ صحفي بقول مالك (لا أدري ) لفعلت .

وسئل رجلٌ الشيخ ابن باز في مسألة في الصلاة، فقال الشيخ : لا أدري ، فقال : السائل ابن باز لا يدري إذا من يدري ؟؟ فتبسم الشيخ ابن باز ، وقال له: اذهب وأذن في الآفاق وقل ابن باز لا يدري .
وأنا في الحقيقة لا أدري لماذا لا يقول من ( لا يدري ) ( لا أدري ؟ )
اللهم لا علم إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .