5 دول أوروبية تحظر استيراد الحبوب الأوكرانية لدعم مزارعيها

خبراء: الاتحاد الأوروبي يتخبط بشدة والوضع سيستمر فترة.. والاقتصاد الأوكراني ينهار

  • 30
الفتح أرشيفية

مضى أكثر من أربعة عشر شهرًا على بدء الصراع الروسي الأوكراني المسلح، ولا زال هناك جديد كل يوم، فمنذ أيام قليلة أعلنت بولندا وعدة دول بالاتحاد الأوروبي حظر استيراد الحبوب الأوكرانية على إثر احتجاجات قام بها مزارعو دول بولندا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا غير القادرين على بيع محاصيلهم بسبب زيادة المعروض الأوكراني من الحبوب وانخفاض سعره.

وأعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية، تقديم مذكرات إلى ممثلي بولندا والاتحاد الأوروبي في أوكرانيا واصفة قرار تقييد وارداتها من الحبوب لدول الاتحاد الأوروبي بأنه غير مقبول، وأن هذه القيود، مهما كان مبررها، لا تتوافق مع اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد ومبادئ وقواعد السوق الأوروبية الموحدة.

ويوم الاثنين الماضي أعلن فالديس دومبروفسكيس المفوض التجاري بالاتحاد الأوروبي أن خمس دول من الاتحاد الأوروبي أبرمت اتفاقًا مع المفوضية الأوروبية لنقل ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية خارج المنطقة بعد نحو أسبوعين من المفاوضات.

تخبُّط الاتحاد الأوروبي

في هذا الصدد، قال الدكتور أحمد مصطفى، الباحث السياسي ورئيس مركز آسيا للدراسات السياسية والاقتصادية، إن الاتحاد الأوروبي في حالة شديدة من التخبط والوضع سيئ لا سيما مع زيادة التضخم والانهيارات البنكية التي تحدث من وقت لآخر، فمؤخرًا انهار بنك "فيرست ريبابليك" وهو من أغنى البنوك الأمريكية والأوروبية كذلك؛ وبناء على تلك الأوضاع بات من الصعب جدًا تعويض المزارعين في الدول الخمس المحيطة بأوكرانيا (بولندا، المجر، سلوفاكيا، رومانيا، بلغاريا)، وهي دول زراعية بالدرجة الأولى، وخصوصًا في بولندا الجارة الأقرب لأوكرانيا، وكان من الصعب على تلك الدول السماح بمرور أو استيراد الحبوب الأوكرانية؛ لأنها ستغرق أسواقهم المحلية وأرخص بكثير من أسعار الحبوب لديهم، وهذا يضر مزارعيهم.

وأضاف مصطفى لـ "الفتح" أنه حتى مع دعم الاتحاد الأوروبي ومنحه المزارعين مزايا ودعمًا وصل في المرحلة الأولى 56 مليون يورو، ثم يفكرون في إعطاء ما قيمته 100 مليون يورو لمزارعي الدول الخمس، إلا أنه لن يعوضهم أيضًا وسيتضررون كثيرًا رغم ذلك؛ وهذه هي الإشكالية تحديدًا المتمثلة في تخبط السياسات الأوروبية بخصوص محاولة منع الحبوب الأوروبية نفسها والسماح بمرور الحبوب الأوكرانية لدول الجنوب سواء الإفريقية أو الآسيوية أو حتى استهلاكه محليًا.

وأشار إلى أن الاقتصاد الأوكراني سيتأثر كثيرًا لأن الجانب الروسي يسيطر على القطاع الصناعي خصوصًا في إقليم دونباس، وكذلك الجانب التعديني المتمثل في المناجم وخلافه، فأوكرانيا حاليا كانت تعول كثيرًا على إنتاجها من القمح الذي يصل لنحو 10 ملايين طن، واقتصادها يتعثر مع مرور الوقت وصارت دولة منهارة، والاتحاد الأوروبي في وضع شديد الصعوبة والبنوك الأوروبية لن تتحمل كثيرًا، وكان لا بد منذ بدء الأزمة تحديد سقف لسعر الطاقة الروسية وتلك الدول لديها بالأساس مشكلة في الطاقة، وهناك أيضًا مشكلة في انهيار أكبر بنك ألماني وهو بنك "دويتشه" لا سيما مع أزمة ارتفاع أسعار الفائدة؛ وكل ذلك ينعكس على الأداء الزراعي داخل تلك الدول.

وأردف أن الروس خططوا جيدًا لكل شيء قبل بدء الأزمة، وما زالت الروح الفردية متوغلة داخل الاتحاد الأوروبي، وكانت هناك اعتراضات من هذه الدول الخمس على القرارات المتعلقة بالتصدير وقواعد السوق الأوروبية؛ لأنها ستضر اقتصاداتهم الداخلية وستخلق مزيدًا من البطالة، وهذه الدول ينبغي عليها الخروج من العباءة الأمريكية وأن ذلك صعب حاليًا، والوضع الحالي سيستمر في التفاقم خاصة مع تمديد بعض هذه الدول رفضها حتى شهري يونيو ويوليو ونحن في موسم حصاد الأقماح، وتوجد أزمات اقتصادية أوروبية حقيقية لكن الإعلام الأوروبي يخادع شعوبه ولا يصارحه بحقيقة الأمور، والاتحاد الأوروبي معرض للانهيار مستقبلًا.

صراع واستقطاب

أما الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدارسات السياسية والاقتصادية، فيرى أن قرار حظر استيراد الحبوب الأوكرانية يأتي في ظل الصراع الشديد وحالة الاستقطاب الكبيرة داخل الساحة الأوكرانية، وهو صراع ليس مرتبطًا بأوكرانيا بل هو يعالج تموضع القوى الكبرى على مستوى العالم؛ والولايات المتحدة الأمريكية تعيش أخطر مراحلها وهي مرحلة الترهل الإمبراطوري، وتجابه بشدة الصعود الروسي والصيني المهيب على النطاقين الإقليمي والدولي.

وأضاف غباشي لـ "الفتح" أن قرار الحظر بعيدًا عن القواعد الأوروبية الموحدة أو علاقة أوكرانيا بهذه الدول؛ فهناك إشكالية كبيرة جدا في مسألة حتى تصدير الحبوب الأوكرانية لدول العالم الخارجي، فهذا الأمر يتم حاليا عبر وساطة تركية أممية وفي إطار الرضا الروسي عنه، ومع تصاعد حدة الصراع ستتأثر تلك المسألة بشدة، وهو صراع سيمتد فترة من الزمن.

هذا القرار يحمل في طياته نُذر خلافات مستقبلية قد يشهدها الاتحاد عند انضمام أوكرانيا إليه بعد الموافقة على منحها وضع "مرشح" لعضويته خلال شهر يونيو الماضي، رغم أن عملية الانضمام ستستغرق عدة سنوات.