عاجل

انسحاب موسكو من اتفاق الحبوب.. ورقة ضغط أم استخدام لسلاح الغذاء؟

  • 42
الفتح - اتفاقية الحبوب - أرشيفية

رفضت روسيا تمديد اتفاق تصدير الحبوب في البحر الأسود، الذي انتهى فعليًا يوم الاثنين الماضي (17 يوليو)، وهو الاتفاق الذي كان يستهدف تخفيف وطأة أزمة الغذاء العالمية من خلال السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية التي عطلتها الحرب.

وأكد المتحدث باسم الكرملين دمتري بيسكوف أن الاتفاق وصل إلى نهايته "بحكم الأمر الواقع"، وجاء إعلان الكرملين بعد ساعات فقط من إعلان أوكرانيا مسؤوليتها عن هجوم شُنّ على جسر في شبه جزيرة القرم أسفر عن مقتل مدنيين. 

فيما أخطرت روسيا تركيا رسميًا بحلّ مركز تنسيق صادرات الحبوب الأوكرانية في إسطنبول، مع تأكيد روسي على أنّ انتهاء العمل باتفاق تصدير الحبوب يعني "سحب الضمانات الأمنية" في البحر الأسود.

لكن موسكو قالت إنها ستعود إلى الاتفاق إذا استوفيت شروط، ويأتي هذا القرار الروسي على خلفية شكوى الرئيس فلاديمير بوتين مما اعتبره عدم احترام أجزاء من الاتفاق تسمح بتصدير الأغذية والأسمدة الروسية، وكذلك عدم وصول الحبوب إلى الدول الفقيرة رغم أن هذا المحور كان بندًا مهمًا في الاتفاق.

وكشفت موسكو، بعد يوم واحد من إعلان إنهاء الاتفاقية، أنها تعمل على إنشاء طرق بديلة لتصدير الغذاء للدول المحتاجة بعد إنهاء اتفاق الحبوب، وناقش وزير الخارجية سيرغي لافروف خيارات لتصدير الحبوب بعيدًا عن الغرب وأوكرانيا. 

ولاقت الخطوة الروسية انتقادات دولية واسعة بداية من الأمين العام للأمم المتحدة الذي أكد على أن مئات الملايين في العالم سيدفعون ثمن القرار الروسي، مشددًا على أنه سيعمق الصعوبات التي تواجه الدول الناميّة التي لا خيار لها، خاصة مع مواجهة مئات ملايين الأشخاص الجوع، ووضع المستهلكين أمام أزمة عالمية لكلفة الحياة. 

أما رد الفعل الأمريكي فجاء غاضبًا ومنددًا بشدة للخطوة الروسية، إذ وصفت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد القرار الروسي بالعمل الوحشي الجديد من جانب موسكو، لافتة إلى أنّ ممارسة الألعاب السياسية الروسية سيعاني منها الملايين حول العالم، متهمة موسكو باحتجاز الإنسانية رهينة. 

وسارع القادة الغربيون إلى إدانة القرار، إذ اتهمت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، روسيا بـالتحرك الساخر، مضيفة أن بروكسل كانت تحاول ضمان الأمن الغذائي للفئات الضعيفة في العالم.

من جهته قال أحمد العناني، الباحث في العلاقات الدوليّة، إنّ القرار الروسي يأتي في سياق سياسة عض الأصابع، والضغوط المتبادلة بين الغرب وروسيا، للحصول على مكاسب من خضم الحرب المتجددة التي لا أفق لحلها حتى الآن، لافتًا إلى أنّ سمة مفاوضات في الغرف المغلقة، ستُعيد الاتفاقية مجددًا للعمل، ما إن تحصل روسيا على مكاسب سواء كانت على أرض المعركة أو مكاسب متعلقة بالقطاع الزراعي الروسي، ما يسمح لروسيا باستيراد قطع غيار للآلات الزراعية، وإلغاء تجميد الأصول الأخرى. 

وعن إمكانية عمل اتفاقية جديدة لتصدير الحبوب دون روسيا مثل اتفاق بين أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، أشار العناني إلى أنّ هذا السيناريو غير عملي على أرض الواقع، وما لم تضمن روسيا أمن تصدير الحبوب، فإنّ أي محاولة ستكون محفوفة بالمخاطر، خاصة وأنّ تركيا لن تمضي قدمًا في أي اتفاق كهذا من دون مشاركة الطرف الروسي الذي يسيطر على شبه جزيرة القرم والبحر الأسود. 

وشدد العناني على أنّ انتقادات العالم الغربي للخطوة الروسية تحت ستار أزمة الغذاء العالمية وما يتعلق بالدول النامية ما هي  إلّا شعارات سياسية للضغط على الروس، دون اهتمام حقيقي بما يجري للملايين حول العالم من المتضررين من جراء توقف الاتفاقية، خاصة في إفريقيا والمناطق النامية الأخرى. 

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، تعطلت الصادرات الأوكرانية من الحبوب بشدة لأكثر من أربعة أشهر، وأغلقت السفن العسكرية الروسية الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود، وفي يوليو 2022 تم التوصل إلى اتفاق بين الأمم المتحدة وتركيا لفتح ممر إنساني بحري آمن في البحر الأسود (مبادرة حبوب البحر الأسود) أكثر من 1000 سفينة مليئة بالحبوب والمواد الغذائية الأخرى غادرت أوكرانيا من ثلاثة موانئ أوكرانية، إلى أن أعلنت روسيا في يوليو 2023 قرارها إنهاء مبادرة حبوب البحر الأسود.

واعتبارًا من مايو 2023، تم تصدير أكثر من 30 مليون طن من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى عبر مبادرة حبوب البحر الأسود، كان أكثر من 50٪ من البضائع من الذرة، وهي الحبوب الأكثر تضررًا من انسداد مخازن الحبوب الأوكرانية في بداية الحرب.