خبير أسري: تأدية الزوج لحقوق زوجته واجب عليه وليس تفضلا منه عليها

  • 64
الفتح - زاوج أرشيفية

قال المهندس سامح بسيوني، الخبير الأسري: الزوج راعٍ في بيته، مسئول عن زوجته، مأمور من الله بحسن عشرتها، كما قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19)، وحسن العِشرة كما قيل: "لفظ جامع ترجع إليه جميع الحقوق الواجبة للزوجة".

وأضاف "بسيوني" -خلال محاضرة له بعنوان"الأسرة بين الإسلام والغرب"-: وعليه فتأدية الزوج لحقوق زوجته أمر واجب عليه، وليس تفضُّلًا منه عليها، وهو سبب لدوام السعادة الزوجية والسكنى والمودة الأسرية بينهم، متابعا: فالزواج في حق الرجل يجب أن يكون: بذلا وعطاء، عهدا ووفاء، تضحية وإيمانا، لزوم طاعة وإحسان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى الرجال بزوجاتهم، فقال: "استوصوا بالنساء خيرا" (متفق عليه)، وقال: "خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلِي" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

وأوضح أن الحقوق الواجبة على الرجل تجاه زوجته كثيرة، ومنها:

1- تحمل المسئولية وتحقيق القوامة الأسرية بالسعي على الرزق للإنفاق على الزوجة والأبناء، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34)، فالزوجة لا يجب عليها الإنفاق في المنزل أو على الأولاد، وإن فعلتْ فهذا تفضل منها تستحق عليه الشكر والثناء.

والأصل للمرأة أن تقر في بيتها معززة مكرمة، وأن يقوم زوجها على قضاء حوائجها، وذمتها المالية ذمة منفصلة، فلا يؤخذ من مالها شيئً إلا برضاها، ولا يُفرض عليها أن تنفق في احتياجات المنزل؛ إلا إن رضيت بذلك.

وهذا بخلاف ما نراه الآن في بعض البيوت من بعض الأزواج الذين يجبرون زوجاتهم -خاصة العاملات منهن أو مَن كان لها مال خاص من أهلها- على النفقة في المنزل؛ مما يسبب الكثير من المشاكل بين الزوجين، بل ويؤدي غالبًا إلى تجرؤ المرأة على زوجها لفقده جزءًا من أسباب قوامته؛ فتحدث بسبب ذلك ردودٌ  أفعال عكسية  يريد منها الرجل أن يثبت بها قوامته بطريقة أخرى سلطوية، فيؤدي هذا إلى هدم العلاقة الزوجية أو فقد المودة والرحمة الأسرية.

2- تعاهدها في أمور دينها، وحثها على دوام الطاعة لربها؛ فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، مشيرا إلى أن الزواج ليس مجرد قضاء وطر، بل هو مسئولية عظيمة فـ"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، متعجبا من أن أحدنا قد يغضب على زوجته إن قصرت في إعداد طعامه أو تهيئة نفسها له أكثر من غضبه إن قصرت في حقوق ربها، بل قد يصل الأمر ببعض الرجال ألا ينشغل أساسًا بأحوال زوجته الإيمانية؛ فلا يسأل عن صلاتها ولا يهتم بحجابها، ولا يتحرى عن معرفتها بأحكام الإسلام الخاصة بها واللازمة لصحة عبادتها -كأحكام الحيض، وغيره-!

كما أن البعض من الرجال قد لا يهتم بنصح زوجته وتعليمها ما تجهل من أحكام دينها، ولا يحفزها، ولا يعاونها في ذلك، مع أنه يجب أن يحرص على ذلك؛ بل ويكون القدوة المحفزة لها على زيادة إيمانها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ رحِمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فَصلَّت وأيقَظَت زَوجَها فإن أبَى نضَحَت في وجهِهِ الماءَ" (رواه أبو داود وصححه الألباني)، فسؤال زوجتك عن أحوال صلاتها وأذكارها وقراءتها للقرآن إلى غير ذلك من أحوالها الإيمانية برفق ولين ومحبة، وإشفاق عليها، والحرص على ذلك يوميًّا في وقت خاص بينك وبينها، من أعظم أسباب استمرار السعادة الزوجية بينكما.

3- أن يغض الطرف عن بعض أخطائها ما لم يكن مخالفا لشرع الله؛ وهذا لا يكون إلا من خلال الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، فإن رأى منها ما يكره؛ فإنه يرى منها ما يعجبه ويحبه، وإلى هذا أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجال في قوله: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها آخر" (حديث صحيح رواه ابن كثير)، مبينا أن بعض الغفلة للرجال مع نسائه حكمة، لاسيما مع اختلاف الطبائع بين الرجل والمرأة وشدة عاطفة المرأة وسرعة تقلب مزاجها، ناصحاً الزوج في ذلك، إن ضاقت نفسك من بعض تصرفات أو ردود أفعال زوجتك فانسحب بعيدا لفترة قصيرة وأغمض عينيك قليلا، وتذكر سريعا:

- بعض الحسنات العظيمة والخصال الحميدة عندها.

- بعض الأخطاء السابقة التي وقعت منك وتغاضت هي عنها محبة لك.

فحينئذ ستهدأ نفسك، وينضبط ميزانك، ويستقيم رد فعلك.

4- ألا يؤذيها بضربها في وجهها أو بتقبيحها؛ فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك حين قال في الحديث: "... ولا تضرب الوجه، ولا تُقبِّح ..." (رواه أبو داود وصححه الألباني)، وقال أيضا: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم" (متفق عليه)، لافتا إلى أن الله -عزوجل- أمر الرجل بالتدرج مع المرأة حال نشوزها وتركها لطاعته؛ فيبتدئ أولاً بوعظها بما أمرها الله به، ثم الهجران لها، وقد بينه ابن عباس -رضى الله عنه- "هو أن يولِّيَها ظهره على الفراش ولا يكلمها"، وقال الشعبي ومجاهد "هو أن يهجر مضاجعتها"، ثم بعد ذلك إن لم تستجب فيشرع الضرب غير المبرِّح -والمقصود به اللكز غير المهين على سبيل الزجر والتأديب- كما قال ابن عباس "أدبًا مثل اللكزة"، كما قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: 34)، ونبه إلى أن الله -عز وجل- قد هدد الرجال في آخر ذات الآية إذا بغوا على نساءهم بغير سبب، موضحا أنه -سبحانه وتعالى- كبير وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

5- أن يعطى من وقته لزوجته يجلس معها يحدثها ويستمع إلى حديثها، يحتويها ويلاطفها ويشاركها بعض اهتماماتها؛ فهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس مستمعًا إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- وهى تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن على ألا يكتمن من خبر أزواجهن شيئًا -وهو حديث أم زرع الطويل كما عند البخاري ومسلم- ومع ذلك لم يمل رسول الله من حديث السيدة عائشة وهي تحدِّثه؛ بل لاطفها في آخر الحديث قائلا لها "كنت لك كأبي زرع لأم زرع"، وقد كان أيضا يسابق السيدة عائشة في بعض الأوقات، وكان يفرغ نفسه فيسترها خلف ظهره لتنظر إلى لعب الحَبَشُ بحرابهم في المسجد؛ بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-.

وأشار "بسيوني" إلى أن من الوصايا الجميلة لكل زوج ما أوصى به رجل حكيم ابنه يوم زواجه: قال له يا بني "إنّك لن تنال السعادة في بيتك إلا بعشر خصال تمنحها لزوجك فاحفظها عني واحرص عليها: أما الأولى والثانية؛ فإن النساء يحببن الدلال ويحببن التصريح بالحب، فلا تبخل على زوجتك بذلك، فإن بخلت جعلت بينك وبينها حجابًا من الجفوة ونقصًا في المودة.

وأما الثالثة؛ فإن النساء يكرهنَ الرجل الشديد الحازم ويستخدمن الرجل الضعيف اللين، فاجعل لكل صفة مكانها فإنه أدعى للحب وأجلب للطمأنينة.

وأما الرابعة؛ فإن النساء يُحببن من الزوج ما يحب الزوج منهنّ من طيب الكلام وحسن المنظر ونظافة الثياب وطيب الرائحة فكن في كل أحوالك كذلك.

وأما الخامسة؛ فإن البيت مملكة الأنثى وفيه تشعر أنّها متربعة على عرشها وأنها سيدة فيه، فإيّاك أن تهدم هذه المملكة التي تعيشها، وإياك أن تحاول إزاحتها عن عرشها، فإنّك إن فعلت نازعتها ملكها، وليس لملكٍ أشدّ عداوةً ممن ينازعه ملكه وإن أظهر له غير ذلك.

وأما السادسة؛ فإن المرأة تحب أن تكسب زوجها ولا تخسر أهلها، فإيّاك أن تجعل نفسك مع أهلها في ميزان واحد، فإمّا أنت وإمّا أهلها، فهي وإن اختارتك على أهلها فإنّها ستبقى في كمدٍ تُنقل عَدْواه إلى حياتك اليومية.

وأما السابعة؛ إنّ المرأة خُلِقت مِن ضِلعٍ أعوج وهذا سرّ الجمال فيها، وسرُّ الجذب إليها وليس هذا عيبًا فيها "حاجب العين زيّنه العِوَجُ"، فلا تحمل عليها إن هي أخطأت حملةً لا هوادة فيها تحاول تقييم المعوج فتكسرها وكسرها طلاقها، ولا تتركها إن هي أخطأت حتى يزداد اعوجاجها وتتقوقع على نفسها فلا تلين لك بعد ذلك ولا تستمع إليك، ولكن كن دائما معها بين بين.

وأما الثامنة؛ فإنّ النّساء جُبلن على كُفر العشير ونسيان المعروف، فإن أحسنت لإحداهنّ دهرًا ثم أسأت إليها مرة قالت: "مارأيت منك خيرًا قط"، فلا يحملنّك هذا الخلق على أن تكرهها وتنفر منها، فإنّك إن كرهت منها هذا الخلق رضيت منها غيره.

وأما التاسعة؛ فإنّ المرأة تمر بحالات من الضعف الجسدي والتعب النفسي، حتى إنّ الله سبحانه وتعالى أسقط عنها مجموعةً من الفرائض التي افترضها في هذه الحالات فقد أسقط عنها الصلاة نهائيًا في هذه الحالات وأنسأ لها الصيام خلالهما حتى تعود صحتها ويعتدل مزاجها، فكن معها في هذه الأحوال ربانيا كما خفف الله سبحانه وتعالى عنها فرائضه؛ أن تخفف عنها طلباتك وأوامرك.

وأما العاشرة؛ فاعلم أن المرأة أسيرة عندك، فارحم أسرها وتجاوز عن ضعفها تكن لك خير متاع وخير شريك".

ونصح الخبير الأسري الزوج قائلا: ‏فيا أُخي، و يا ولدي؛ يا أيها الرجل القَوَّام على زوجته كان إبراهيم النّخعيِّ يقول: "كانُوا يقُولون: قولُ الرّجلِ لإمرأتِه إنّي أحبّكِ طرفٌ من السِّحر"، فلا تبخل على زوجتك بمشاعرك الدافئة، وأفض عليها من ألفاظِ المحبّةِ وعذب الكلام ما تستطيع، و لا تحرمها من نفقة الامتنان والتقدير، فإن هذا له فعل السِّحر عليها؛ يُشبع قلبها ويؤنس روحها، ويقوي عزيمتها في بيتها، ويهون عليها الصعاب التي تلاقيها معك في هذه الحياة القاسية.