منها بيان عظم القرآن ومحاسبة النفس والثبات على الهداية.. "داعية" يشير إلى الهدايات الواردة في سورة الإسراء

  • 28
الفتح - الدكتور أحمد رشوان، الباحث والداعية الإسلامي

قال الدكتور أحمد رشوان، الباحث والداعية الإسلامي: افتتحت سورة الإسراء بتسبيح الله وتنزيهه عن النقائص، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1]، فالمسجد الأقصى كله بركات حتى في الجهاد الآن نرى البركات التي تحدث حولهم، "لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" وهنا إشارة لقصة بني إسرائيل، وإخبار الله تعالى بإفسادهم وعصيانهم الله ومخالفة أمره في بلاده مرّتين، واستكبارهم على الله باجترائكم عليه استكبارًا شديدًا، قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]، وهاتين المرتين كما ذكر ابن كثير والطبري أنهما وقعتا بالفعل، ولكن من الممكن أن نستدل بهما على ما سيحدث لليهود، وأن علوهم وظلمهم هذا يقابله نزول لهم، كما جاء في قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8].

وأشار "رشوان" -في فيديو عبر صفحته الشخصية على "الفيس بوك": إلى قول الله عز وجل: {إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9] -اللهم ارزقنا بشرى القرآن واجعلنا من الذين يبشرون بالجنة- مبينًا مشهد يوم القيامة الذي سيشهده كل الناس، {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} [الإسراء: 13]، أن كل شيء سيكون على الملأ، نسأل الله السلامة والعفو والعافية، كل ما خفي سيظهر، من كان يغلق على نفسه الأبواب ويظن أن لن يره أحد فالله يعلم السر وأخفى، {اقرأْ كِتابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] أنت من ستحاسب نفسك.

وتابع: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنَّا عندَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فضحِك فقال: "هل تدرونَ ممَّا أضحَكُ؟"، قُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: "مِن مُخاطَبةِ العبدِ ربَّه يقولُ: يا ربِّ ألَمْ تُجِرْني مِن الظُّلمِ؟ قال: يقولُ: بلى قال: فإنِّي لا أُجيزُ على نفسي إلَّا شاهدًا منِّي فيقولُ: كفى بنفسِكَ اليومَ عليكَ شهيدًا وبالكرامِ الكاتبينَ عليكَ شهيدًا فيُختَمُ على فيه ثمَّ يُقالُ لِأركانِه: انطِقي فتنطِقُ بأعمالِه ثمَّ يُخلَّى بَيْنَه وبَيْنَ الكلامِ فيقولُ: بُعْدًا لكُنَّ وسُحْقًا فعنكنَّ كُنْتُ أُناضِلُ" [صحيح مسلم] يأتي العبد يوم القيامة يحسب نفسه ناصحًا كما كان في الدنيا يفعل واستغفاله للخلق، لكن الله سبحانه وتعالى أقرب إلى العبد من نفسه، "يخادعون الله وهو خادعهم" يأتي العبد ويقول يا رب لا أريد أن يشهد علي أحد سوى أعضائي، فيحقق الله له مراده، "كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا" وليس هذا معناه نجاة العبد، ولكن يختم على فيه وتنطق الأيدي وتنطق الأرجل والرأس وكل عضو حدث به معصية، وعليه يتمايز الناس يوم القيامة في الجنة والنار.

وأوضح"رشوان" دلالة قول الله عز وجل في سورة الإسراء: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)} [الإسراء] أن من أراد الدنيا سيأخذها، لكن الدنيا بأثرها تعجيل لا تساوي شيئًا وإن أخذها كلها، والشيطان أخذها كلها بطولها وعرضها فلم ولن تغني عنه شيئًا، وهذا أيضًا بمشيئة الله، وليست خارجة عن إرادته، إنما من يعتقد أن القصة تنتهي في الدنيا، فهذا لن يكون؛ لأن الآخرة هي الفوز الحقيقي، "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها" فهنا شرط لمن أراد الآخرة أن يسعى فليس الأمر بالتمني، بل سعي ملازم للإيمان، فهؤلاء هم من شكر الله سعيهم، مبينًا أن الله سبحانه وتعالى لا يمنع عطاءه عن أحد في الدنيا، لكن المؤمن الفطن هو من يريد الآخرة ويعمل له.

وأشار إلى الأشياء التي تنجي الإنسان وتجعله يسعى السعي الذي عليه الإيمان، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .....} هنا الحقوق العشرة جاءت مفصلة وليست مجملة كما جاءت في سورة الأنعام ذكرت هنا في سورة الإسراء مفصلة، وقد ذكر الله في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} لم يقل لا تزنوا، ولكن قال "ولا تقربوا"؛ لأن الإنسان مهما يضع لنفسه حدود، أو يعتقد أنه قوي فإن فتنة الزنا والنساء عظيمة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما تركتُ بعدي فتنةً أَضَرَّ على الرجالِ من النساءِ" [صحيح البخاري]، فيبدأ بالتساهل والكلام فيقع في المحرم -عياذًا بالله- وجاءت نهاية الآيات بعد ذكر الحقوق العشرة {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ستسأل عن كل أمر تقوله أو تسمعه، الناس التي تضيع أوقاتها في سماع المسلسلات والأفلام لابد من الحذر؛ لأن العبد سيسأل عن كل هذا، بل حتى التمني، تمني القلب وأنه يظل يحلم بأمور ويعيش بكل قلبه للدنيا حتى يقع في المعاصي كل ذلك سيسأل عنه العبد يوم القيامة.

وأوضح "رشوان" جزاء الذي يتهاون ويختلط بالمعاصي {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} من عاش في الدنيا أعمى عن الحق فجزاءه من جنس عمله، من فرط في صلاته وصيامه وقيامه وضيع وقته في اللهو والمعاصي وترك الصلاة فقد ضل سبيل الخير والنجاة يوم القيامة.

وشدد على عظم أمر الثبات وأنه ليس بيد العبد أن يثبت، إنما هو بأمر الله سبحانه وتثبيته قال تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} ولولا أن ثبَّتناك يا محمد بعصمتنا إياك عما دعاك إليه هؤلاء المشركون من الفتنة هذه الآية لمن؟! للنبي -صلى الله عليه وسلم- لولا أن ثبتك الله لكدت تركن إليهم شيئا قليلًا، لذا الواجب علينا أن نطلب الثبات من الله سبحانه وتعالى "إياك نعبد وإياك نستعين".

ولفت "رشوان" إلى أسباب الثبات، منوهًا بالآيات التي ذكرت في سورة الكهف {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} فالإنسان يحتاج إلى صحبة حتى يثبت على طريق الله ويحتاج إلى وضوح الطريق وهذا يكون باتباع القرآن؛ لأن القرآن يهدي للتي هي أقوم، والثبات يحتاج إلى إعانة من الله عز وجل، كما يحتاج العبد لصحبة طيبة، الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، مع التمسك بكتاب الله الذي نزل بالحق "وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ" ولذلك يقول تعالى في سورة الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)} القرآن جاء ليبشر المؤمنين بالجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

وأكد أن الإيمان يحفظ الإنسان وهذا ما حدث مع فتية الكهف {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وفي المقابل الذي يكفر بنعمة الله فإن هذا سبب في ضياع النعمة منه، وهذا ما جاء في قصة أصحاب الجنتين الذي ظن أن النعيم الذي فيه دائم، وأنه خالد بهذه النعم ولم يؤدي شكرها {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا} فأذهب الله جنته وأهلكها.

وذكر الداعية الإسلامي قاعدة مهمة؛ إذ أشار الله سبحانه وتعالى لها بقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا} فلا يعتقد العبد أن إعطاء الله الكفار أو الظالمين الدنيا حتى يعلو فيها كما يحدث مع أهل غزة -نسأل الله أن يفرج كربهم وينصرهم- من أهل الكفر وتطاول اليهود عليهم، فالله لن يجعله يمر هكذا فإن القصة في الآخرة أعظم وأكبر بكثير، فهذا من سنن الله في الأرض، أن يبتلي أهل الإيمان بأهل الكفر في الدنيا {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} فالله سبحانه وتعالى لو يؤاخذ الناس بما كسبوا لعجل لهم العذاب هذه قاعدة، لكن الله سبحانه وتعالى يؤخر للآخرة حتى إذا أخذ، أخذ أخذ عزيز مقتدر، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} لن تمر أي صغيرة وكبيرة دون حساب، ولن يظلم ربك أحدا.