وفي الناس بقايا

أمل السلاحجي

  • 17
الفتح - الشيخ القيم أبو إدريس عليه رحمة الله

في وقت يشغل "التريند" بال الكثيرين على كل المستويات سواء الثقافية أو السياسية حتى طال الدينية منها!! 

وأصبح التنافس على الشهرة وكثرة الأتباع والمتابعين سمة غالبة، يكشف لنا موت عالم من علماء الدعوة السلفية كيف يكون العمل؟! وكيف يكون الرجال؟!، نرى درسًا عمليًا من دروس الإخلاص والعمل في الخفاء، فلا نرى العامل لكننا نرى ثمرة عمله تبلغ الآفاق.

قد لا يعلم الكثيرون من هو الشيخ محمد عبد الفتاح أبو إدريس، وقد يقرأ الكثيرون اسمه لأول مرة في حياتهم بعد وفاته، ولكنهم لا يعلمون أيضًا أن ثمرة علم الشيخ وعمله قد طالتهم حلاوتها، وأن الشجرة التي وضع الشيخ بذرتها ورعاها يستظلون بظلها الآن وبالأمس وفي الغد إن شاء الله.

نيف وسبعون عامًا مباركة هي عمر الشيخ قضى معظمها في خدمة دين الله والدعوة إليه عملًا وعلمًا وإدارة في جد وخفاء، وهذا درس نحتاج إليه كثيرًا الآن، أن تعمل ابتغاء وجه الله على بصيرة لا ترجو ثوابًا إلا من الله وتحرص على قلبك وعملك من الرياء وإرادة الخلق، وسبحان الله الذي جعل في وفاة الشيخ درسًا دعويًا آخر يضاف لعمله إن شاء الله. 

لعل دورنا نحن الآن -غير استلهام الدروس والعبر من حياته- نشر علمه، ورعاية ثمرة عمله وهي الدعوة السلفية المباركة، وتقديم تلك القدوات للناس وتعريفهم بها في وقت تصدر الصورة إما رواد التافهة من ممثلين ولاعبين أو رواد البدع أو التخريب وأصبح المحرك لعقول الناس ومشاعرهم من هؤلاء الذين لم ينالوا علمًا نافعًا ولا ترجى منهم مصلحة في الدين أو الدنيا.

ليس وفاة الشيخ أبي إدريس هي أول درس تلقيناه عن حياة العلماء المخلصين، بل سبقته عدة وفايات من علماء الدعوة وطلابها وجدنا في سيرتهم العطرة كيف تكون الحياة لله والعمل لنيل رضاه بجد وإخلاص، ونبكي مع كل وفاة على ما فاتنا من علم الصالحين ويبكي الرجال على فوات صحبتهم، لكن لعل فيما تركوه العزاء لنا ولأحبابهم، ودورنا الآن هو نشر علمهم واقتفاء أثرهم.

لا أنسى كتابًا قرأته قديمًا عن القدوات الغربية وعن أبرز الرموز هناك على المستوى الفكري خصوصًا وتضمن الكتاب سيرة حياة كل منهم والتي قدمت الناس الصورة الحسنة منها فقط ونجد باقي صور حياته مليئة بالنواقص والفضائح واللاأخلاقيات!!ورغم ذلك هم رموز يرفعونهم فوق الأعناق!!.

وإذا أدرت النظر لعلمائنا وجدت الدر المكنون واللؤلؤ المنثور في كل جانب من حياتهم _نحسبهم والله حسيبهم- على المستويات العلمية والأخلاقية والاجتماعية.

هؤلاء هم الرموز حقًا، وهم الذين يجب أن يكونوا القدوات المعاصرة بحق.

تكشف لنا كل وفاة أن في الزوايا خفايا وفي الناس بقايا وأن تحت الماء تكمن الدرر، وعلى العاقل أن يبحث عنهم ويقتفي أثرهم ولا يخدع بما يصدره الإعلام من قدوات زائفة. 

وأن نحرص كما حرصوا على الإخلاص في العمل والإعراض عن المثبطين وأن نمضي قدمًا ولا نلتفت عسى الله أن يجمعنا مع الصالحين في جنات النعيم.