"وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ"

  • 750
أرشيفية

"وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ"


أخَافتْنِي كثيرًا تلك القصة عندما سمعتها من أحد الدعاة، إنها قصة شاب اشترك يومًا ما في أحد المواقع المتخصصة في بث الصور الخليعة، فكان يُرسل إليه أسبوعيًا ملفًا يحوي مجموعة من تلك الصور، وكان يحتفظ بها على هاتفه ويريها لأصدقائه مفتخرًا بذلك، ثم عرض عليهم أن يعيد إرسال تلك الصور إليهم بمجرد أن تَصِلَه، وبعد ستة أشهر وقع له حادث ومات، فارق الحياة وما زالت تلك الصور تصل إلى أصدقائه، حاول أحدهم أن يتصل بالموقع ليوقفوا اشتراكه لكنه فشل، باقي له أربع سنوات، تُرسل إليه تلك الصور وتُرسل تلقائيًا إلى أصحابه، وهكذا قد تجري السيئات على العبد وهو في قبره كما قد تجري عليه الحسنات، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}.

أي نكتبُ ما قَدَّمُوا مِنْ خير أو شر، ونكتب كذلك الآثار التي تترتب على ما قدموه.

وأنتَ أيضًا تَعْلمُ أنَّكَ يومًا ما سَتُفارقُ هذه الحياة، فهل سألتَ نفسَك هذا السؤال؟؛ ما هي الآثار التي سأتركها من بعدي؟ هل أترك شيئًا يضُّرُني أم شيئًا ينفعني؟ كم عمرك الآن؟ ماذا قَدَّمْتَ للإسلام؟ كم كَتَبْتَ مِنْ كُتُبِ العلم؟ كم دَعَوَتَ إلى الله؟ ماذا لَدَيْكَ من صلاة؟ ما العبادة التي ترجو ثوابَها من الله؟ هذا العمر أنت مسئولٌ عنه، كم مَكَثْتَ في هذه الحياة؟ كم مِنْ نَذِيرٍ جاءَك يذكِّرُك بالله؟ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} القرآن نذير، المواعظ نذير، الشيب نذير، المرض نذير، فمن الآن استغل عمرك (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ) في حياتِك وفي آخرتِك، اجعل لك عملاً صالحًا يُقَرِّبُكَ إلى رَبِّك،عملاً يَلْحَقُكَ بعدَ موتِك، فتجري عليك الحسناتُ وأنتَ في قبرك.

قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أوْمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ بَعْدِ مَوْتِهِ".

فكُنْ حَرِيصًا على أن تُعَلِّمَ الناس (التوحيدَ والسُّنَّة، الأحاديثَ والأذكَار) في خطبةٍ أو في اجتماع، في رسالةٍ أو في مقال.

ومَا مِنْ كَاتِبٍ إلا سَيَفْنَى ** ويُبْقِي الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ

فلا تَكْتُبْ بـِكَفِّكَ غير شيءٍ *** يَسُرُّكَ فِي القِيَامَةِ أنْ تَرَاهُ

احْرِصْ على أن يكونَ ولدُك صَالِحًا كحرصِك على أن يكونَ طبِيبًا أو مهندسًا،عَلِّمْه الشَّرْعَ، أوْصِهِ بالدِّين، أرأيتَ كيفَ كان لقمانُ يُوصِي ابْنَه، قال تعالى: {وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

ورِّث لمن بعدك مصحفًا، ضَعْهُ في بَيْتِك، في المسجد، في مستشفى، في فندق.

اسْعَ في بناءِ مسجد ولو كان صغيرًا(‏مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا، وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ‏)، احْرِصْ على سقي الماء فهو من أعظم الطاعات، تَصَدَّقْ كلَّ يومٍ بصدقة تلحقك بعدَ موتِك.

بَادِرْ إلى طاعةِ رَبِّك واعْلَمْ أنَّ لكَ مَوْعِدًا سَتَلْقَى اللهَ فيه.