الدين العام يرتفع متأثرًا بأزمة الدولار

  • 88
أرشيفية

الدين العام يرتفع متأثرًا بأزمة الدولار

مصر تقترض12 مليار دولار من "صندوق النقد" .. وخبراء: عبء على الأجيال القادمة والحل الاعتماد على الموارد الداخلية وتنميتها

في الوقت الذي ارتفع فيه إجمالي ديون مصر لتجمع دول "نادى باريس" إلى نحو 3.6 مليار دولار بنهاية مارس 2016، مقارنة بـ 2.6 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2015 - الربع الثاني من العام المالي الجاري 2015 – 2016 - من إجمالي ديون مصر الخارجية البالغة نحو 53 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، بارتفاع قدره نحو مليار دولار. وارتفاع الدين الخارجي المستحق على مصر بمعدل 11.2%، حيث بلغ 53.4 مليار دولار، في نهاية شهر مارس 2016 مقارنة بـ 48.1 مليار دولار في نهاية يونيو 2015، بارتفاع قدره 5.4 مليار دولار - استمرت الحكومة المصرية في الاقتراض ليبلغ الدين العام نحو 3 تريليون جنيه مصري.

أصبحت سياسة الاقتراض خلال العامين الماضيين مجرد مسكن تلجأ إليه الدولة عند الأزمات، دون الاكتراث بتركة ديون تتحملها الأجيال القادمة، وعدم النظر إلى المشاريع الإنتاجية التي تساعد على تعافي الاقتصاد، وسد فجوة عجز الميزانية العامة للدولة. ومن البديهيات أن الدول تلجأ للاقتراض من أجل الاستثمار المستقبلي ورفع كفاءة البنية الأساسية من أجل جذب الاستثمار، وليس من أجل زيادة التكلفة التي تتحملها الأجيال القادمة، أما بالنسبة للقروض التي تقترضها الحكومة من الداخل والخارج فهدفها توفير الاحتياجات الأساسية للدولة، ودفع رواتب العاملين، إضافة إلى سد عجز الموازنة وغيرها من الأشياء التي لا تحقق عائدا يتم سداد القرض منه، وتكون هذه القروض عادة قصيرة الأجل في السداد، وهنا تكمن الأزمة لأن هذه القروض ستنفق على أشياء لن تدر عائدا لسدادها بعد ذلك. ويتجلى الأمر في الفترة الأخيرة؛ فالحكومة تقترض من أجل سداد فوائد القروض القديمة فقط دون الأصول، وهو العبء الذي ستتحمله الأجيال القادمة.

وتجلت تصريحات المسئولين في حكومة شريف إسماعيل عن قرض جديد من صندوق النقد الدولي بمبلغ 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، ليستمر مسلسل الاقتراض الخارجي بلا نهاية لحلقاته المتتالية، إضافة إلى شهادات من صندوق النقد تسمح باقتراض 3 مليارات دولار سنويا من جهات أخرى.

قال أبو بكر الديب الخبير الاقتصادي، إن سعي مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولي نحو 12 مليار دولار خلال 3 سنوات يحمل في طياته إيجابيات وسلبيات للاقتصاد المصري.

وأوضح لـ "الفتح" أن إيجابيات هذا القرض تتمثل في توفير النقد الأجنبي الذي يعمل على وقف ارتفاع سعر الدولار، والتخفيف من حدة عجز الموازنة العامة لتكون بمثابة "التنفس الصناعي" للحكومة لتستطيع العمل دون ضغوط عجز الموازنة العامة وانخفاض الاحتياطي النقدي من الدولار، والارتفاع المستمر في سعر الدولار، مضيفا أن السلبيات للقرض تتمثل في أنه يمثل عبئا كبيرا على الأجيال القادمة، فسيعمل على زيادة فوائد الدين على الموازنات المقبلة.


وأوضح أن المؤسسات الدولية التي تقرض الدول تكون لها شروط سياسية واقتصادية مجحفة تتمثل في رفع الدعم، وهو ما تعمل عليه الحكومة في الوقت الراهن، إضافة إلى رفع الضرائب وتقليل عدد الموظفين، كما تتدخل تلك المؤسسات في السياسة المالية والاقتصادية للدولة، متابعا من الأفضل أن تعتمد الدولة على مواردها الذاتية، والعمل على تنشيط تلك الموارد  وتنظيمها، بالإضافة إلى محاربة الفساد والمحسوبية، والوضوح والشفافية في الأداء، وتنمية مصادر العملة الصعبة عن طريق دعم وتنشيط  السياحة والاستثمار وتعظيم وزيادة الإنتاج والتصدير.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه كان ينبغي على الحكومة العمل على تحفيز المصريين بالخارج من أجل الاستثمار بمصر، وإعطائهم ميزات مختلفة في توفير أراض لاستثماراتهم بأسعار منخفضة، وكذلك منحهم ميزات استثمارية، للحصول على النقد الأجنبي عن طريق المصريين العاملين بالخارج، واصفا اقتراض الحكومة من الصندوق بمثابة "الدواء المر".

وقال محمد سعيد أستاذ الاقتصاد في جامعة بنها، إن الاقتراض الخارجي من المؤسسات الدولية لسد عجز الموازنة العامة ليس سوى مسكنات وقتية للمشاكل الاقتصادية في مصر لا تؤدي إلى الحلول الجذرية، مشيرا إلى أنه لا يوجد دولة حققت نموا اقتصاديا وتنمية اقتصادية عن طريق الاقتراض من المؤسسات الدولية مثل: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وأكد سعيد في لـ "الفتح" أن الاقتراض من أجل سد عجز الموازنة لن يعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية، وإنما سيزيد من خدمة الديون، ويلزم توجيه القروض للقطاعات الإنتاجية؛ كبناء المصانع أو إعادة تشغيلها، أو تنمية القطاع الزراعي وتصدير المنتجات الزراعية للخارج؛ ما يدر على الدولة عملة صعبة في ظل انخفاض الاحتياطي النقدي، على أن يتم سداد خدمة هذا الدين من أرباح المشروعات التنموية.

وقال الدكتور عادل حميد أستاذ، الاقتصاد في جامعة الأزهر، أن سعي الحكومة للاقتراض من صندوق النقد الدولي في الوقت الذي تخطي فيه نسبة الدين العام للناتج المحلي 103% أمر خطير، إذ إن ارتفاع الدين يعني تخفيض التصنيف الائتماني من قبل المؤسسات الدولية لمصر؛ وهو ما يعني عزوف المستثمرين عن الاستثمار في تلك البلد نظرا لارتفاع المخاطر.

وأوضح حميد لـ "الفتح" أن لجوء الحكومة إلى سداد الديون من حصيلة الضرائب أمر خطير، وزاد الأمر سوءا رغبة الحكومة في استحداث ضرائب جديدة نتيجته تخفيض حجم الإنفاق العام من تعليم وخدمات صحية وخلافه.

وقال رضا عيسى الخبير الاقتصادي، إن  استمرار الحكومة في سياسة الاقتراض الخارجي له الأثر السلبي على الاقتصاد المصري لما له من زيادة عبء خدمة الديون، وتحميل هذا العبء للأجيال القادمة، موضحا أنه بدلا من توجيه إيرادات الدولة  لبناء المصانع وتحقيق التنمية يتم توجيه الإيرادات لسداد خدمات الديون التي اقترضت من أجل عجز الموازنة وسداد احتياجات الدولة، مضيفا أن متوسط الضرائب التي ستحصلها الحكومة يوميًّا يساوي 1200 مليون جنيه، سيذهب منها 800 مليون جنيه لسداد فوائد الديون فقط، دون أصل الديون، وهذا نتيجة سياسة الاقتراض التي تتبعها الحكومة المصرية والسير على نظم اقتصادية بائدة.

وتساءل عيسى ماذا بعد وصول سعر صرف الدولار إلى 13 جنيها مصريا في السوق السوداء؟ مشيرًا إلى أن مصر تتعرض لموجة ارتفاع الدولار كل فترة زمنية من 12:10 عام نتيجة للسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، موضحا أن الدولار ارتفع في الثمانينيات من 80 قرشا إلى 3 جنيهات في بداية التسعينيات، كما ارتفع أيضا في عام 2004 من 3 إلى 6 جنيهات، وها هو الآن يصل إلى 13 جنيها نتيجة الاقتراض والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، مشيرا إلى ضرورة تقوية الاقتصاد المصري، عن طريق تنمية القطاعات الإنتاجية والعمل على تعظيم الصادرات المصرية، مؤكدًا أن السياسة الاقتصادية التي تسير بها الحكومة لا بد أن تتغير حتى لا ينهار الاقتصاد أكثر مما نحن عليه.

وكان الدكتور زهدي الشامي الخبير الاقتصادي كشف في تصريحات صحفية أن وصول إجمالي الدين العام إلى 2.968 تريليون جنيه، وعدم إعلان البنك المركزي عن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي يؤكد خطورة الوضع الاقتصادي؛ لذلك ترك البنك المركزي الحسبة النهائية حتى لا يصدم المواطن بالرقم، مضيفا أن من واقع بيان البنك المركزي فإن نسبة الدين العام للناتج المحلي بلغت 103%، فيتم تحويل دولارات الدين الخارجي إلى جنيهات وجمعها مع الدين الداخلي ومن ثم نحسب نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي يخرج هذا الرقم الذي يصدم الجميع، فتخطي الدين العام نسبة 100% صدمة كبيرة ولكن الحكومة لا تبالي ومستمرة في الدعاية للإنجازات والمشروعات.

 وأوضح الشامي، أن النسبة الآمنة للدين هي 60% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن عندما نقترب من الضعف تزيد أعباء الديون على الدولة والمواطنين، ويجعل الدولة كلها مرهونة بسداد تلك الديون الهائلة بدلا من تحسين الأجور أو الإنفاق على التنمية والخدمات. 

وحول سداد الديون فيبدو أن الحكومة المصرية اتجهت إلى الضرائب كي تستطيع سداد فوائد الديون في الموازنة الجديدة، لأن أكثر من ثلثي إيرادات الموازنة العامة للدولة تصب في اتجاه الضرائب، وهي التي سيتحملها المواطن المصري؛ فقد خرجت الموازنة المالية الجديدة للدولة عن عام 2016 /2017 لتؤكد أن حصيلة الإيرادات 631.065 مليار جنيه، منها 433.300 مليار من الضرائب فقط، وأن المصروفات 936.094 مليار، بفائض عجز نقدي 305.038 مليار، ووصل العجز الكلي في الموازنة 319.460 مليار جنيه، وصافي الاقتراض 319.710 مليار جنيه، ونسبة فائض العجز النقدي إلى الناتج المحلي 9.4%، ونسبة العجز الكلي إلى الناتج المحلي 9.8%.