أبناء للإيجار.. 50 جنيهًا للسليم و100 للمعاق!

  • 171
أرشيفية

20 ألف متسول في القاهرة نصفهم أطفال.. والحصيلة اليومية تصل لـ600 جنيه

بعض الآباء يتفقون مع "المعلم" على سعر أولادهم.. أين الحكومة؟

خبراء: جريمة عقوبتها السجن 15 عامًا.. ويجب أن يراعي القانون مصلحة الأطفال أولًا

داعية: ظاهرة سلبية تهدم المجتمعات.. والإسلام حث على العمل والاجتهاد

 

 

يعد شهر رمضان المعظم فرصة ذهبية للمتسولين في مصر؛ لأن الناس يقبلون على فعل الخيرات فيه، خاصة الصدقات، وهو ما تلعب عليه هذه الفئة، فينتشرون في كل الميادين، ويطوفون حول المقاهي والمطاعم والمساجد، ويستخدمون جميع الحيل لكسب عطف الناس، فلا مانع أن يبكي أحدهم أو تصعد سيدة إلى الأتوبيس أو المترو وتوزع ورقة على الركاب دون أن تنطق بكلمة؛ فكل ما تريد أن تقوله مدون في الورقة التي غالبا مكتوب فيها "أنا أرملة وأعول عددًا من الأطفال، ولم استطع دفع الإيجار لعدة شهور وأريد المساعدة"، وغيرها من الحيل المتعارف عليها لنا جميعًا.

 

كشفت دراسة حديثة لمركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن التسول ظاهرة منتشرة في مصر، وتزداد وتنشط بقوة في "رمضان"؛ بسبب الاستعداد النفسي للمسلمين لعمل الخير في هذا الشهر المبارك.


وقالت الدراسة إن القاهرة وحدها يوجد بها 50 ألف متسول، 50% منهم من الأطفال أي ما يقارب من 25 ألف طفل متسول في العاصمة وحدها، وغالبا هؤلاء يستخدمون أو يعملون تحت قيادة شخص معين يديرهم من خلف الستار؛ مؤكدة أن بيزنس التسول يصل إلى مليار جنيه في هذا الشهر فقط .


وشددت على أن حصيلة الطفل الواحد يوميًا ما بين 300 إلى  400 جنيه يوميًا، وفي شهر رمضان قد تصل إلى 600 جنيه، معتبرة أن هذه الظاهرة غير مسيطر عليها أمنيًا ولا اجتماعيًا، والأخطر ما أعلنته الدراسة عن اتفاق يتم بين الأسر الفقيرة وقادة المتسولين الكبار "المعلم" على أن يتم تأجير الطفل في اليوم مقابل 50 جنيهًا، ولو كان الطفل معاقًا أو مكفوفًا فيصل إيجاره إلى 100 جنيه في اليوم الواحد كونه سيكون أكثر تأثيرًا وكسبًا للتعاطف من قبل الشعب.

وأرجعت الدراسة أسباب انتشار الظاهرة إلى الفقر والبطالة، ولكن السبب الأكبر هو الربح الضخم الذي تحققه ظاهرة التسول دون تعب، وهناك متسولون يمتلكون عقارات وأطيان وحسابات بنكية؛ مستشهدة بالسيدة التي قُبض عليها وفوجئ رجال الشرطة بأنها تضارب في البورصة بـ " نصف مليون جنيه" .

من جانبه، أوضح الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أن التسول بالأطفال يؤدي إلى تعريضهم للخطر، وطبقا لقانون الطفل يعد ذلك اتجارًا بالبشر إذا كان الطفل مخطوفًا، وعقوبتها السجن 15عامًا، وإذا كان التعريض للخطر من جانب والديه فالعقوبة تكون على حسب نوع القضية.

 

وأكد عامر في دراسة أجراها، أن المادة 291 من الدستور قالت نصًا: "كل مساس بحق الطفل في الحماية من الإتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تتجاوز 200 ألف جنيه، كل من باع طفلًا أو اشتراه أو عرَضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقًا، أو استغله جنسيّا أو تجاريّا، أو استخدمه في العمل القسري.


وأوضح أن "السخرة" محرمة أيضا فهناك اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالسخرة رقم 29 التي صدقت عليها مصر في عام 1955، تعرف السخرة باعتبارها "كل عمل أو خدمة يُجبَر الشخص عليه تحت التهديد بأي عقوبة، أو لم يتطوع الشخص للقيام به".


ولفت مدير المركز إلى أن قانون مكافحة التسول الذي صدر في عام 1933 يعطي فهمًا واسعًا للغاية لجريمة التسول؛ كونها تشمل أي شخص يبيع أي شيء في مكان عام، وقد يؤدي استخدام مثل هذا التعريف المطاط في تطبيق قانون مكافحة الإتجار بالبشر إلى إلحاق ضرر بالغ بالأطفال من أسر فقيرة محرومة من كل أشكال الدعم الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث يحرمهم القانون أيضًا من مصدر دخلهم، إذ يعتبر القانون أن المسئول عن الطفل تاجَر به لاستغلاله في التسول؛ لذلك يجب ألا تتعارض لائحة القانون التنفيذية مع المبادئ التشريعية التي تحمي الأطفال، خصوصًا حق الطفل في الحماية من الأذى، واعتبار المصلحة الفُضلى للطفل هي الأولوية التي يجب أن يسعى إليها.



 
وفي السياق ذاته، أشارت الدكتورة كاميليا كامل، أستاذ علم الاجتماع، إلى أن ظاهرة التسول باتت منتشرة في كل مكان نذهب إليه بداية من المواصلات، ومرورًا بالمطاعم والمحلات الصغيرة والكبيرة، نهاية بمنازلنا.


وأضافت "كامل" لـ "الفتح"، أن هذه الظاهرة تهدد المجتمع وتشجع على البطالة كونها مربحة لأصحابها الذين يتاجرون بأجسادهم من أجل كسب عطف الناس للحصول على شيء من المال، ويستغلون شهر رمضان لأنه شهر يصنع فيه الخير الكثير، وعدد كبير من الناس يحرصون على إخراج أموالهم فيه لكسب أكبر قدر من الثواب؛ وهو ما يستغله هؤلاء المتسولون الذين يتفننون في جلب المال من جيبك من خلال الطواف عليك وأنت في "كافيه" لوضع بضعة حبات من السوداني لتعطي لهم مالًا، أو يختلقون لنا قصة يجذبون عطفك نحوهم فتمنحهم مالًا كثيرًا؛ مطالبة بسن قوانين جادة تمنع التسول في الشوارع .

 

التسول والعمل في الإسلام

 

 بدوره، قال الشيخ عيد البنا، أحد علماء الأزهر الشريف، إن التسول من الظواهر السلبية في المجتمعات، وهؤلاء غالبًا ما يتخذون منه مصدرًا لزيادة ثروتهم، ويحرمون بذلك أناسًا هم في أمس الحاجة للمساعدة في مثل هذه الأيام المباركة، وهؤلاء الذين قال الله عنهم في كتابه الكريم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}؛ وفي الحقيقة هؤلاء الأحق بالصدقة والمساعدة وليس الذين يرتدون أقنعة الفقر لكسب تعاطف المارة، وتجد منهم شبابًا ورجالًا يستطيعون العمل.


ولفت البنا انتباه "الفتح"، إلى أنه ورد في "صحيح البخاري" حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ, فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ, خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ, أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ"، وهذا الحديث يكشف لنا النهي عن ظاهرة التسول ورفع قيمة العمل .


وطالب بضرورة مكافحة هذه الظاهرة في المجتمع بعدما أصبحت مهنة سهلة لكل عاطل، مؤكدًا أن الإسلام حث على العمل ورفع من شأنه، وهذا هو النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أمسك بيد عبد الله بن مسعود ورآها خشنة قال: "إن هذه اليد يحبها الله ورسوله"، وعندما دخل المسجد فرأى إنسانًا دائم المكوث فيه سأله: "من يطعمك؟" قال: أخي، فقال عليه الصلاة والسلام: "أخوك أعبد منك ."