هدر الطعام.. خطر يهدد الأمن الغذائي للمصريين

%45 من الأسر تعاني من الظاهرة.. والأرز والخضر على رأس القائمة

  • 25
الفتح - أرشيفية

مراقبون يطالبون بنشر ثقافة الترشيد.. ويؤكدون: المسئولية مشتركة بين المواطن والحكومة

حذرت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي من ظاهرة هدر الطعام، لاسيما في ظل أزمة الغذاء العالمية التي تضرب العالم، وتفاقمت خلال الآونة الأخيرة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وأكد مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء أن المخاوف تزداد بشأن الأمن الغذائي العالمي، ومن ثم وجب الانتباه إلى الحد من نسب الهدر المتعلقة بالأطعمة والأغذية.

وبحسب استطلاع أجراه مركز المعلومات حول هدر الطعام؛ تبين أن نحو 45.1% من الأسر المصرية أكدوا أن المجتمع المصري يعاني من ظاهرة هدر الطعام، وتصدر الأرز والخضر قائمة الأطعمة الزائدة عن الاحتياج اليومي، حيث يلجأ البعض إلى تناول هذه الأطعمة في اليوم التالي، بينما يتخلص الآخرون منها عن طريق الهدر.

ووفقًا للأرقام التي وردت في استطلاع مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، فإن نحو 17.3% من المواطنين اعتادوا شراء السلع بنسب أكثر من تلك التي يحتاجون إليها، خاصة إذا كانت هناك عروضٌ على تلك السلع، كما يرى نحو 55.9% من المصريين -الذين شملهم استطلاع الرأي- أن هدر الطعام مسؤولية الحكومة، بينما يرى نحو 36.5% أن المسؤولية مشتركة بين كل من الحكومة والمواطن.

وتعقيبًا منه على نتائج الاستطلاع، قال المهندس أحمد الشحات، الباحث في الشؤون السياسية والقضايا الفكرية، إن عادة هدر الطعام عادة سيئة ومُحرمة شرعًا، مؤكدًا أنها عادةٌ مستشريةٌ ومنتشرةٌ في كثيرٍ من الأسرِ، رغم أن التقاليد الدينيةَ والنصوص الشرعيةَ حذرتْ تحذيرًا شديدًا من  تلك العادةِ، بل دعت الشريعةُ إلى المحافظة على كل قطرة ماء، وعلى كل لقمة من اللقيمات التي يأكلها الإنسان.

وأشار الشحات في تصريحات لـ "الفتح" إلى أن الشرع أرشدنا وأمرنا أيضًا ألا نُسرف في استخدام المياه، ولو كنّا على نهر جارٍ، علاوة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من عادته أن يقوم بمسحِ الطعام في الإناء ولعق الأصابع؛ حتى لا يبقى أيُّ جرام من الطعام ويذهب هدرًا، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سقطتْ منه لقمةٌ في أثناء طعامه تناولها وأكلها صلى الله عليه وسلم. 

وأفاد الشحات أن كل هذه الأمور النبوية ترشدنا إلى أهمية المحافظة على الطعام وعدم الإسراف أو البذخ فيه، واعتبار أن كل قطعة منه وكل ملعقة منه يجب أن يُحافظ عليها، موضحًا أن المحافظة وعدم الهدر يكون من خلال الفهم والتعود، مؤكدًا أن الإنسان إذا اعتاد الإسرافَ صار ديدنًا له، وكذلك إذا اعتاد التوفير والاقتصاد الاعتدال؛ صار ذلك ديدنًا له ثم يتعلمه منه أولادُه بعد ذلك.

 وبيَّن الباحثُ في الشؤون السياسية والقضايا الفكرية أن القضاء على ظاهرة هدر الطعام يحتاج إلى نشر ثقافة التوفير والاقتصاد أولًا وعدم الترفع عنها، مشيرًا إلى أن البعض يظن أن هذه المحافظة على الطعام ليست من التحضر أو أنها تصرف يوحي بالبخل أو غير ذلك، موضحًا أن الأمر ليست له علاقة لا ببخل ولا بكرم، مشيرًا إلى أن الذي يترك الطعام في الإناء ليس بالكريم، وأن الذي يتناوله كاملًا ليس بالبخيل، مؤكدًا أن الذي يتناول الطعام مصيبٌ لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحققٌ للبركة من الطعام؛ وأنه مستفيدٌ من طعامه بأقصى ما يمكن من بركة.

وشدد الشحاتُ على ضرورة الاقتصاد في الكميات التي تُطبخ، موضحًا أن كل أسرة تعرف سلفًا كم تستهلك من هذا الطعام أو ذاك، وما هي الكمية المناسبة لها، ومن ثم لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تطهو الأسرة كميات تزيد عن التي يحتاجون إليها حتى لا يبقى الطعام ويهدر.

وطالب الشحات بتغيير ثقافة العزومات والولائم وغيرها من الأمور المشابهة، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك اقتصاد وعدم إسراف في هذه المناسبات، إذ إن إكرام الضيف لا يعني عمل كميات كبيرة من الطعام تفوق حاجة الأفراد المدعوين للزيارة، وبالتالي يفيض الطعام ويتم الإلقاء به.

ويرى الشحات أنه حتى في حال حدوث فائض في كميات الطعام لأي سبب كان؛ فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نلقي بهذه الكميات في القمامة، مشيرًا إلى أن وسائل حفظ الطعام أصبحت ميسورة ومتاحة للجميع، ومن خلالها يمكن حفظ الطعام لتناوله في وجبة أخرى، أما أن ُيلقى هذا الطعام بهذه الطريقة فهذا نذير شؤم، وربما يكون هذا سببًا لسلب النعم والحرمان منها بعد ذلك.

بدوره، يرى أحمد سمير، المدير التنفيذي بجهاز حماية المستهلك سابقًا، أن مسؤولية هدر الطعام هي مسؤولية تقع على عاتق كل من الحكومة والمواطن على حد سواء، موضحًا أن المسؤولية الحكومية تتمثل في القائمين على جهاز حماية المستهلك، مشيرًا إلى أن الجهاز كان يمتلك في وقت سابق استراتيجية لتحويل المواطن إلى مرحلة المستهلك الواعي، ومن بعدها إلى مرحلة المستهلك الرشيد، موضحًا أن هذه الاستراتيجية معمول بها فعليًا في الكثير من دول العالم.

وأفاد سمير في تصريحات لـ "الفتح" أن الوصول بالمواطن إلى مرحلة المستهلك الواعي والمستهلك الرشيد لم تكن تتوقف على الطعام وحده، بل إن الاستراتيجية الموضوعة تستهدف الطاقة كذلك بجانب الطعام، موضحًا أن المقصود بالطاقة هنا هي الطاقة بجميع أشكالها، سواء الكهرباء المستخدمة في المنزل أو البنزين المستخدم في السيارة وغيرها من صور الطاقة.

وأوضح المدير التنفيذي بجهاز حماية المستهلك سابقًا أن هذه خطط وبرامج تتضمنها أجهزة حماية المستهلك، ويجب أن تلعب الدولة المصرية وجهاز حماية المستهلك هذا الدور، حيث تضع البرامج والاستراتيجيات ثم تشرف عليها، ثم يأتي بعد ذلك دور المستهلك نفسه الذي يجب أن يسير على هذا النهج ويتدرب عليه، مشددًا على ضرورة التفرقة بين أن تكون هناك كفاءة في الاستخدام وبين ترشيد الاستخدام.

وبيّن أن المواطن يجب أن يعلم كيف يستخدم الطاقة والطعام بطريقة صحيحة، مؤكدًا أن ترشيد الاستخدام يكون من خلال هذه الطرق الصحيحة، لافتًا إلى أننا لا نراعي طرق الاستخدام الصحيحة ونتعامل مع الأشياء بطريقة عشوائية، مستشهدًا بما يحدث عند ترك المصابيح الكهربائية والإضاءة تعمل حتى عند عدم وجود أشحاص بالمكان.

ولفت سمير إلى أن الأمر لا يقتصر على الطعام أو استخدام الطاقة وحسب، بل يجب كذلك أن يتم تطبيق طرق الاستخدام الصحيحة في عملية الشراء، إذ إن الناس تشتري بكميات تفوق حاجتها، مطالبًا بتغيير هذه السياسة من خلال تفعيل سياسة الأوزان الخفيفة، مشيرًا إلى أن دول أوروبا أصبحت الآن تشتري بالقطعة والقطعتين حتى في الفاكهة والخضراوات نفسها، حيث يمكن أن يتم شراء حبة أو حبتين من الفاكهة وفقًا للحاجة.

وأكد سمير أن تطبيق الأوزان الخفيفة أصبح أمرًا ميسورًا ويمكن تطبيقه في أي مكان، خاصة في ظل وجود الموازين الديجيتال أو الإلكترونية، حيث أصبح بإمكان هذه الموازين أن تحدد الكمية المطلوبة بالجرام، دون أن يكون شرطًا على المواطن أن يشتري بالكيلو والاثنين والثلاثة، مطالبًا الدولة بإيجاد موازين أو وحدات موازين تكون أقل من الكيلوجرام، موضحًا أن ذلك لا يعني بُخلًا أو حرمان النفس بل هو ترشيد استهلاك بدلا من أن يتم إلقاء الفائض في القمامة.

وأشار سمير إلى وجود العديد من الدراسات التي أجريت على الفاقد أو الكميات المهدرة التي تخرج من القمامة التي يخلفها المصريون، وأثبتت هذه الدراسات أن القمامة المصرية تعد من أكثر الفواقد التي يمكن إعادة تدويرها واستخدامها مرة أخرى لأن أغلب هذه القمامة تكون من منتجات طبيعية ومن أغذية، ومن ثم يمكن استخدامها مرة أخرى في الأعلاف أو في غيرها من الاستخدامات؛ نظرًا لأن أغلبها تكون قمامة حيوية وبقايا أغذية وطعام.