أحلامنا

جهاد ممدوح

  • 14

كثيرٌ مِنّا يحمل في خلجات نفسه حُلمًا لطالما تمنى أن يصل إليه، لطالما عاش ما فات من عمره عزاؤه الوحيد في عدم الوصول لحلمه هو ذاك الخيال الذي يأسره يعيش ضحية لأحلامه الواهمة وأمانيه الحالمة، يعيش كل عمره يتتبع أخبار الناجحين، ويقرأ قصص المتميزين، يظن أنه مُجتبى من دون الخلائق مصطفى، وأن المجد آتيه تحت قدمه، ولم يعلم ذلك المسكين أن من بلغ المجد وترك الأثر لم يبلغ مرامه إلا بعد جهد جهيد وزمن من التعب مديد ومن البذل والتضحية الكثير.


لولا المشقة ساد النّاس كلُهم، الجود يُفقِر، والإقدام قتّالُ

إن لم يكن بذلك لأجل حُلمك الذي بين جنبيك العمل والتضحية فلا عزاء لك، ستفيق إذن من أسر خيالاتك وأوهامك بعد فوات الأوان وأنك في مكانك لم تبرحه.

لم يجعل الله لنا في طيات نفوسنا أحلامًا إلا أنه يعلم أن كلًا منّا قادر على أن يصل حُلمه ويبلغ مجده ويحقق هدفه، ولكن يختلف كل منّا في سُبل سعيه، هل سعيت لأجل حُلمك؟! هل بذلت وضحيت وتعبت لأجل مرماك أم ما زلت في لعبك ساهٍ وفي عبثك لاهٍ، يجور فراغك على شغلك فأدمنت الكسل والرقود وبِت لا تحملُ همًا بل أصبحت أنت الهم.

إذا اطلعت على دفترِ ملاحظاتك القديم، وأخرجت من خزانتك مخططاتِ أحلامك ستجد أمانيك قد كساها الغبار وكستها الأيام عجزًا وشيبًا، ستنفض عنها الغبار وتمتلكك حالة الحزن على تقصيرك في السعي، ستجد تلك الأحلام في شواهق الجبال؛ كانت تحتاج وثبة أسد، شخص يتقن التسلق وأنت يا حسرتاه ما زالت قدماك غضة طرية لم تقو حتى على السير حافياً فكيف بالتسلق لتصل هدفك!

ذاك الأثر الذي تبغي تركه، وذاك الحُلم الذي تبغي تحقيقه لن يكشف لك وجهه حتى تمسح العرق عن جبينك بيدٍ كلّت من التعب والعناء، لن يأتيك الحُلم كهدية، ولن تصل مرماك وأنت تتقلب على سريرك، إذا أردت راحتك وأردت سعادتك لن تنالها إلا بعد التعب؛ بَصُرت بالراحةِ الكبرى فلم ترها.. تُنال إلا على جسرٍ من التعبِ 

يا فتى إياك أن تكون مترقبًا، تحرق في سنوات عمرك بلا مبالاة، تنفث وقتك وعمرك كما ينفث المدخن صحته في الهواء غير مكترث، تنتظر الفرج، وما أنت بساعٍ إليه إذاً كيف يأتيك؟!

جَرِب، جَرِب أن تسعى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده"، فخد العبرة وخُذ بالأسباب وابدأ واخطُ نحو هدفك الآن تزحف إليه وغداً تأتيه هرولة ما هي إلا البدايات، جَرِب لذة السعي 

ربك يقول "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى،* وأن سعيه سوف يُرى" ليس لك دخل بالنتائج فهي ملكٌ لله، كل ما عليك هو السعي أن تنفض عنك غبار كسلك، وتشحذ همتك وأن تضع هدفك أمام عينيك، فتبذل الجهد وتجدّ في العمل، تترك النتائج بيدِ الله، وستصبو هدفك وتبلغ حُلمك بإذن الله