حول التاريخ الهجري والأشهر العربية

  • 169

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فتاريخ كل شيء من حيث اللغة غايته ووقته الذي ينتهي إليه ولهذا يقال فلان تاريخ قومه في الجود أي الذي انتهى إليه ذلك ، ،وأما كلمة تأريخ من حيث الاصطلاح تعنى الزمن والحقبة ولم يظهر هذا الاصطلاح بهذا المعنى لا في القرآن ولا في السنة ولا في الأدب الجاهلي ،ولم يستخدم إلا في عهد عمر رضي الله عنه ،وكانت فكرة الوقت وتحديده في المجتمع الجاهلي غير محددة ومشوشة عند العرب وكان العرب عادة يؤرخون بكل عام في أمر مشهور متعارف عليه فأرخ العدنانيون بعام نزول إسماعيل عليه السلام مكة المكرمة وعام تفرق ولد معد وعام رئاسة عمرو بن لحى الخزاعي الذي بدل دين إبراهيم عليه السلام بعبادة الأصنام وعام وفاة كعب بن لؤي وعام الغدر أو حجة الغدر ([1]) وعام الفيل وغير ذلك وأرخت قريش بوفاة هشام بن المغيرة المخزومي والد أبى جهل وأرخوا كذلك ببنيان الكعبة ،وقد ذكر أهل السير والتاريخ أن عمر رضي الله عنه دوّن الدواوين ووضع الأخرجة وسن القوانين واحتاج إلى تاريخ يتعامل به قال ابن كثير في البداية والنهاية : رُفع إلى عمرَ بن الخطاب صكٌ مكتوبٌ عليه دينٌ لرجلِ على رجلِ ويحلُ الدينُ في شعبان فقال عمرُ رضي الله عنه : أيُ شعبانَ؟ أمن هذه السنة ؟ أم التي قبلَها ؟ أم التي بعدَها؟ ثم جمع الناسَ فقال : ضعوا للناس شيئاً يعرفونَ فيه حلولَ ديونِهم ، وجاء أيضاً في سبب البدء بالتاريخ الهجري أن أبا موسى الأشعريَّ كتبَ إلى عمرَ رضي الله عنهما أنه يأتينا منك كُتبٌ ليسَ لها تأريخٌ ، فجمع عمر الناس للمشورة فاستشارهم فقال بعضهم : أرخوا كما تؤرخ الفرسُ بملوكها، كلما هلكَ ملكٌ أرخوا بولايةِ من بعده ، فكرهَ الصحابة ذلك ، وقال آخرون : بل أرخوا بتاريخ الروم ، فكرهوا ذلكَ أيضاً ، ثم رأوا أن يكون تاريخٌ المسلمين مرتبطٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال البعض : من عام مولده ، وقال غيرهم بل بمبعثه ، ورأى آخرون من وفاته ، قال ابن الجوزي رحمه الله : لم يؤرخوا بالبعث لأن في وقتهِ خلافا ، ولا من وفاتِه لما في تذكره من الألم اهـ . ،ووافق عمر  رضي الله عنه على تاريخ الهجرة من مكة إلى المدينة لأن الهجرة فرقت بين الحق والباطل وبها استقامت ملة الإسلام وتأسست دولة الإسلام الأولى ،واختار الصحابة رضي الله عنهم أن يبدأ العام بشهر المحرم مع أن الهجرة كانت في شهر ربيع الأول وذلك لأن مناسك الحج تنتهي في شهر ذي الحجة فيبدأ المسلمون بعد عودة الحجيج إلى أوطانهم عاما جديدا ولأن شهر المحرم هو أخر الأشهر الحرم وأن بيعة العقبة التي بمقتضاها اتفق رسول الله مع الأوس والخزرج على الهجرة كانت في ذي الحجة فكان أول هلال استهل بعدها هو هلال المحرم ، هكذا اختار المسلمون تاريخهم في عهد أمير المؤمنين عمر واستمر التاريخ الهجري هو التاريخ الرسمي في بلاد المسلمين وفي القرن الثاني عشر الهجري أرادت الدولة العثمانية تحديث جيشها وسلاحها فطلبت مساعدة الدولِ الأوربية العظمى فوافقت على مساعدتها بشروطٍ منها إلغاء التقويم الهجري في الدولة العثمانية فأذعنت لضغوطها ، وفي القرن الثالث عشر الهجريِ أراد خديوي مصر أن يستقرض مبلغاً من الذهب من بعض الدول الأوربية لتغطية مصاريف قناةِ السويس ، فوافقوا مقابل ستة شروطٍ منها : إلغاء التقويم الهجري في مصر فتم إلغاؤه سنة 1292هـ  1875 م واستبدلَ به التقويم الميلادي .فلابد لنا أن نتعامل بقدر المستطاع بتاريخ أمتنا فهو ليس أمرا فرعيا بل هو هوية أمة وشعار ملة ،
 
وأما عن الأشهر العربية
 
قال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة 36) وقال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189البقرة)
 
فأخبر الله تعالى أن هذه الأهلة والشهور هي مواقيت للناس في حجهم وصيامهم وفطرهم وأعيادهم وزكاتهم ونذورهم وكفاراتهم وعدد نسائهم ومدد إيلائهم وحلول آجال ديونهم ،وللأسف كثير من المسلمين يتعاملون في كثير من أمور دينهم كالزكاة والديون ونحوها بالأشهر الميلادية ،النصرانية الرومانية ك يناير وفبراير ومنهم من يحفظ عن ظهر قلب الأشهر القبطية كطوبة وأمشير ومنهم من يكون عالما بالأشهر العبرية والسريانية كانون وأيلول ، فلابد أن ننتبه إلى هذه القضية وأن نعظم الأشهر التي ذكرها ربنا في القرآن واعتمدها للمسلمين وأن نعتز بها وقد نقل السَّخاويُّ عن العِماد الأصبهانيِّ الشافعي قوله: "فليست أمَّةٌ أو دولة إلاَّ ولها تاريخٌ يرجعون إليه، ويُعوِّلون عليه، ينقُله خَلَفُها عن سَلَفِها، وحاضِرُها عن غابِرها، تُقيَّد به شَواردُ الأيام، وتُنصَب به مَعالمُ الأعلام، ولولا ذلك لانقَطَعَت الوُصَل، وجُهِلَت الدول... وإنَّ التاريخَ بالهجرة نسخَ كلَّ تاريخ متقدِّم"
 
قال شيخ الإسلام - رحِمه الله -:في مجموع الفتاوى  "وقد بلغني أنَّ الشَّرائع قبلنا أيضًا إنَّما علَّقَت الأحكام بالأهلَّةِ، وإنما بدَّل من بدَّل من أتباعهِم، وما جاءت به الشريعةُ هو أكملُ الأمور وأحسنها وأبْينها وأصحُّها وأبعدُها عن الاضطرابِ".فهيا بنا نعظم ما عظمه الله تعالى ونحافظ على هوية أمتنا لأن التاريخ من العناصر التي تكون هوية الأمة ، والله المستعان ([2])

([1])  وفى ذلك العام وثب قوم من بنى يربوع على رسل أحد ملوك حمير وكان قد وجههم بكسوة إلى الكعبة ونهبوا متاعهم وكان ذلك قبل البعثة بمائتي عام تقريبا

([2]) للمزيد راجع كتاب .أدب الكتاب ، أبو بكر محمد بن يحيى الصولي والإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ التاريخ ،للسخاوي ،والتاريخ والمؤرخون العرب د. السيد عبد العزيز سالم ، و أرشيف منتدى الفصيح،