دروس وفوائد من محنة "رأس غارب"

  • 369

يوم الخميس 27/10/2016 بعد العصر، فجأة، جاءت عاصفة ترابية رملية غطّت الدنيا وأظلمت السماء في "صعيد مصر"، ثم أعقب ذلك مطر غزير تجمع فوق بعض الجبال، ثم تدفق وانهمر في منحدر من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي بسرعة 70 كم/س، حاملًا معه الحيّات والعقارِب من جحورها ومن بين الصخور، في ساعة متأخرة من الليل، ضاربا "رأس غارب" في محافظة البحر الأحمر، وقرية "حاجر أبوليلة" في محافظة سوهاج؛ فدخل الماء والطمي البيوت فجأة والناس نائمون، فأغرق أثاث بيوتهم  وملابسهم ومحلاتهم ومخازنهم وصيدلياتهم، وهدم بعض البيوت، وأطاح بالسيارات، وانقطعت الكهرباء والمياه، وتلفت المحاصيل الزراعية والمواشي والطير، وتسبب في قتل قرابة 29 شخصًا وإصابة 72 آخرين تقريبا.

وكذلك حدث خسف فى طريق "قنا – سوهاج" الصحراوي الشرقي، لمسافة مترين؛ حتى غطّت المياه "أتوبيسا" فصعد الناس فوق سطحِه، ومات الأطفال الذين لم يستطيعوا الصعود.

وأغرقت المياه المقابر في إحدى قرى "أسيوط"؛ فأخرجت بعض جثث وبقايا الموتى في لحظات.

بين عَشِيّة وضحاها حدث كل ذلك؛

ولكن يبقى العظة والعبرة، والدروس المستفادة من هذه المحنة، في نقاط:

أولًا: صورة مبهرة من معاني المواساة والتكافل، والتعاطف والأُخوّة الإيمانية في التعامل مع الأزمة، ومعاونة المكروبين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وقال: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"، وقال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى

فتحركت الجمعيات الخيرية والقنوات الإعلامية لجمع التبرعات من المصريين، وكذلك تحركت قوات من "الجيش"، وأبناء "حزب النور" وأبناء "الدعوة السلفية"، وكذلك "شيخ الأزهر" الذي أخرج 4 مليون جنيه من بيت الزكاة؛ لمحاولة تعويض الناس عن خسائرهم، وإنقاذ حياتهم، سواءً بالأغذية أو البطاطين والمياه والخبز والأدوية والملابس والمراتب، ومازال الأمر يحتاج المزيد لبناء البيوت التي تهدمت، وكذلك إصلاح أثاث البيوت والأجهزة الكهربائية وغير ذلك.

ثانيًا: مازال مسلسل الإهمال والفساد -من عدم تحمل المسئولية- من بعض الأجهزة المعنيّة التي أُخبِرت من "الأرصاد الجوية" بالسيول المحتملة، ولم تتخذ الاستعدادات الكافية لتجهيز مخَرّات السيول، وتحويل مسارها ومحاولة الاستفادة -فيما بعد- من هذه الكمية الضخمة من المياه للزراعة، وأيضا عدم الاستفادة من التجارب السابقة، مع رصد مليار جنيه عن حادثة سيول سابقة لم ينفق إلا 5 % فقط منها؛ فلابد من محاسبة المقصِّرين والمهمِلين والفاسدين، الذين تسببوا في مقتل الناس -بطريقة غير مباشرة- ولو بتركهم التنبيه لإخلاء الأماكن قبل حدوث الكارثة التي كانت مُتوقَّعة، ثم.. كيف تُبنى قرى في مَخرّات السيول أو في بطن الوادي أسفل سفح الجبل مباشرة ؟!.

ثالثًا: إذا اشتد المطر وخِيف من الضرر وهلاك البيوت والزروع؛ كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، "اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ".

رابعًا: نتذكر قول الله تعالى: "أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ"؛ هذا الذي حدث من سيول وخسف ربما يكون عقوبة من الله وابتلاءً، لايقاظ الناس من غفلتهم، وتذكيرهم بأنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ومارُفِع إلا بتوبة.

فالمظالم والرِّبا وعقوق الوالدين والفواحش والزنا وأكل ميراث البنات واليتامى وقطع الأرحام ومنع الزكاة، سبب من أسباب هذا الدمار؛ فلابد من التوبة والاستغفار، والتضرع والدعاء، والرجوع إلى الله، قال تعالى: "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" وقال: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

خامسًا: هذا تحذير للجميع، وتنبيه للغافلين، في كل ربوع مِصر، فالدور سيأتي على من؟!

العام الماضي كانت "الأسكندرية" و"البحيرة" وخصوصَا قرية "العفونة".
وهذا العام "صعيد مصر"؛ فلابد للجميع من التوبة من المظالم، والرجوع إلى الله، واستجلاب الرحمات، ودفع النِّقَم بالأعمال الصالحة، قال تعالى: "لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

ولا ننتظر أن نكون نحن العِبرة؛ فلنتّعِظ ولنعتبر جميعا..
نسأل الله -عزّ وجلّ- أن يتقبل موتانا في الشهداء، وأن يشفي مصابنا، وأن يفرج كرب إخواننا في كل مكان، وأن يسترنا ويغفر ذنوبنا، ويرفع عنا البلاء، ويتوب علينا، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.