حدث في مثل هذا الشهر "شهر رجب"

  • 222

غزوة تبوك حدثت في العام التاسع من الهجرة، بين المسلمين وكان عددهم ثلاثون ألفا، ضد الغساسنة والروم، عند تبوك في شمال شبه الجزيرة العربية، على بعد قرابة 700 كم من المدينة، ولم يحدث قتال، ونُصِرَ النبي بالرعب مسيرة شهر.

وسُمِّيَت بغزوة العُسْرَة، وبعدها دخلت الوفود في دين الله أفواجًا، من كل أنحاء الجزيرة العربية، عندما شاع خبر انتصار المسلمين على أكبر امبراطورية في ذلك الوقت وهي الروم.

ونزلت في أحداث الغزوة سورة براءة "سورة التوبة".

وكان في هذه الغزوة أحداث عظام ودروس مستفادة:

-       مثل البذل بالمال؛ فقد أنفق أبو بكر -رضي الله عنه- مالَه كُلَّه، وعُمَر -رضي الله عنه- أنفق نصف مالِه، وعثمان -رضي الله عنه- جهز جيش العُسْرَة بتسعمائة من الإبل بأحلاسها وأقتابها وألف دينار ذهب، حتى قال النبي : "ما ضَرَّ عُثْمان ما فَعَل بعد اليوم".

-       وكذلك المشقة الشديدة؛ في حَرِّ الصيف مع بُعْدِ المسافة، وقوة وعتاد وعدة العدو وهم الروم.

-       وفتنة الدنيا؛ فقد أينعت ثمار المدينة، مع قِلَّة الزاد والراحلة حتى كان يتعاقب تسعة عشر رجلا على بعير واحد، قال تعالى: "لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ".

-       وحدث أيضا قصة كعب بن مالك، من الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وتاب الله عليهم لصدقهم، بعد هجرهم خمسين يوما.

وظهرت في هذه الغزوة كثير من خصال النفاق، حتى سُمِّيَت "سورة براءة" بالفاضحة، أو الكاشفة، أو المنافقون، وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: "مازال الله -عزّ وجلّ- يقول في السورة ومنهم ومنهم.. حتى ظننا أنها لن تترك أحدًا".

 

كان عدد هؤلاء المنافقين بضعًا وثمانين، في جيش قِوامُه ثلاثين ألفا، علم النبي ببعضهم، وذكرهم لحذيفة بن اليمان كاتم سِرّ النبي .

قال تعالى: "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ".

وقال: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ".

وقال: "وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ".

وقال: "يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَـزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ".

وقد قال الجد بن قيس: "إني أخشى بنات بني الاصفر" يعني نساء الروم؛ فقال تعالى: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ".

وقالوا أيضًا: "لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ".

وقال تعالى: "لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ".

وقال تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ"، وفي هذه الآية: خطورة الاستهزاء بأمر من الدين، فهذا من صفات النفاق الأكبر الاعتقادي المُخْرِج من المِلَّة، فقد قال : "إ نَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ لَا ‏ ‏يَرَى بِهَا بَأْسًا ‏‏ فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ".

وهؤلاء المنافقون قالوا: "مابال قُرَّائِنا أكْذَبنا أَلْسِنَة، وأرغَبنا بطونا، وأَجْبَننا عند اللقاء" وظنوا ذلك أمرًا يسيرًا، مع علمهم بأنه حرام وغِيْبة وطعن ولمز واستهزاء وخوض في الأعراض، ولم يظنوا أن تبلغ بهم "سورة براءة"، وهنا دليل على أن جهل العاقبة لا يُعْذَر صاحِبُه.