أوروبا والغرب يقتنصان النوابغ.. والعرب يتوارثون "الرُّفات".. والقاهرة تستقدم الراقصات!

  • 132
أرشيفية

مصر تكتوي بنيران نَزْف العقول 

أوروبا والغرب يقتنصان النوابغ.. والعرب يتوارثون "الرُّفات".. والقاهرة تستقدم الراقصات!

بعض وسائل الإعلام لا تقدم أي محتوى بل يشبّه أصحاب الهوى والبلطجة بنجوم الشاشة

العدو الصهيوني ينفق 5% من الدخل القومي على البحث العلمي.. ومصر 0.5%

 

تل أبيب قدمت 3 آلاف براءة اختراع عالمية والقاهرة واحدة فقط العام الماضي!

 

الدراما لا تهتم إلا بالرياضة والفن وتشبه الخارج عن النص بـ"الأسطورة" والعلماء بـ"المعقَّدين"

 

 

أدى العلماء العرب والمسلمون دورًا كبيرًا في تقدم الأمم والشعوب حتى آلت الأمور إلى القوى العظمى التي تميل إلى الغرب أو الشرق، بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت على مر سنوات عمرها -التي لا تتجاوز 500 عام- أن تُهيمن على "عصارة" الأدمغة إثر استئثارها بالعديد من العقول البشرية حول العالم فيما يعرف بنزيف العقول "BRAIN DRAIM".

الأمر الذي أدى لبناء إمبراطوريتها الكبرى التي قامت على أنقاض الشعوب الأكثر تقدمًا وعراقة، بل واستنزاف خيرات البلاد في قارات العالم وعلى رأسها القارة الإفريقية التي دفعت كل غالٍ وثمين من "سخرة وتجنيس وبيع" حتى نهب الثروات والممتلكات الطبيعية التي حباها الله بها.

فلا تزال بعض الدول تخضع للولاية والاحتلال الغربي في القرن الإفريقي بل وهناك بلدان لا تنطق سوى لغة المستعمر مثل السنغال وغينيا بيساو الناطقتان باللغة الفرنسية، وأنجولا التي تستخدم البرتغالية، إضافة لتأثير اللغة الفرنسية على تونس والمغرب والجزائر ودول أخرى عديدة.

وفي مصر حاول المستعمر الإنجليزي ومن قبله الاحتلال الفرنسي أن يؤثر على اللغة العربية ولكن الله قيض لهذا البلد الأزهر الشريف الذي وقف حائط صد قوي تجاه الأطماع الخارجية.

فالمسلمون كُثر وقدموا نماذج غاية في التفوق والإبداع، استفاد بها العالم أجمع، وترجمته الحضارات الغربية في الزمن القديم لتنهل من علمهم وفيضهم، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تُحصى؛ فمن ذا الذي لا يذكر الحسن بن الهيثم ذائع الصيت في الطب والهندسة؟ وكذلك ابن بطوطة المكتشف والمؤرخ، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية، ومحمد الفارابي، وأبو القاسم الزهراوي، وأبو كامل شجاع، والخوارزمي في الرياضيات، وابن سينا؟

وفي العصر الحديث سطر العلماء العرب والمسلمون بحروف بارزة أوضح الأمثلة على تقدم الغرب وأمريكا على أكتافهم، فها هو الدكتور علي مصطفى مشرفة العالم المصري النووي الذي تتلمذ على يد "ألبرت آينشتين" وعرف أنه واحد من 7 علماء بارزين على مستوى العالم عرفوا أسرار علم الذرة، وهو الذي اغتالته يد الموساد الإسرائيلي، وتوفي في ظروف غامضة، ثم الدكتورة سميرة موسى تلميذته النجيبة التي اغتيلت هي الأخرى على يد أجهزة الموساد، ثم عالم الاتصالات "الميكروويف" سعيد السيد بدير الذي توفي في ظروف أشبه بالمدبرة وقيد الحادث على أنه "انتحار" بعد قطع الشرايين وفتح أنبوب الغاز والقفز من العقار رقم 20 شارع طيبة في الإسكندرية؛ وكشفت تحقيقات النيابة أن "بدير" كان واحدًا من 3علماء على مستوى العالم توصلوا لاكتشافات جديدة عبر الاتصالات بالأقمار الصناعية.

وبالطريقة نفسها تقريبًا -وكأن الخيط واحد- قتل صاحب "شخصية مصر"، العالم الفذ جمال حمدان فيما يُرسخ لدور أجهزة الموساد في قتل العديد من العلماء المصريين في العلوم الدقيقة.

وكان من بين الأمثلة العربية إلياس خوري صاحب نوبل في الطب عام 1990 ذي الأصول اللبنانية، وفريد جابر مراد، الألباني الأصل، ومايكل عطية، اللبناني والذي ترأس الجمعية الملكية وشغل كرسي الرياضيات في جامعة كمبردج وهو المنصب نفسه الذي شغله الفيزيائي الأشهر إسحاق نيوتن.

ومايكل شاكر الدبغي، أبرز رواد جراحي القلب والصدر والمستشار الطبي للعديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي قام بعملية جراحية في القلب للرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن، وكذلك العالم التركي المسلم عزيز سانجار، الحاصل على نوبل في الكيمياء العام الماضي 2015، ومن قبله عبد القدير خان الذي لٌقب بأبي القنبلة النووية في باكستان.

ثم الدكتور مصطفى السيد صاحب براءة علاج الأورام بجزيئات الذهب، والدكتور محمد النشائي المتخصص في علم النانو تكنولوجي، والدكتور فاروق الباز والدكتورمصطفى حجي في وكالة ناسا، ثم العالم المصري الكبير الذي أطلق عليه الغرب "أبو الكيمياء الحديثة" وأستاذ الكيمياء في جامعة كالتاك الدكتور أحمد زويل الذي رحل عن دنيانا آخرًا، وعائلة نيافا في فلسطين البروفيسور عدنان وعلي ومنير وغيرهم الكثير.

هذه بعض نماذج من كبار العلماء العرب والمسلمين الذين انتشروا وذاع صيتهم في شتى أرجاء المعمورة وقدموا عصارة ذهنهم وخبرة حياتهم إلى الحضارة الغربية.

والأسئلة التي تطرح نفسها: ماذا جنى العرب والمسلمون من تركة هؤلاء العباقرة؟، وماذا قدمت لهم أوطانهم لكي نحصد الثمار؟، وهل سنكتفي بأخذ "الرُّفات"؟ أم ستكون هناك إعادة نظر تجاه هذه العقول الفذة حتى تنهض أمتنا من غفوتها؟! أسئلة تطرح نفسها لعلها  تجد من يقرأ أو يجيب لنحيا بالأمل.

كيف نبدأ

يوضح البروفيسور منير نايفة -عالم الفيزياء الفلسطيني ورئيس رابطة العلماء العرب في الخارج، وأستاذ الفيزياء النووية بجامعة إلينوي في أوربنا شامبين بالولايات المتحدة الأمريكية- أن الدول العربية تمتلك مقومات البحث العلمي الناجح مثل المال والمواد الخام وكذا العقول لكن المناخ السائد يحتاج كثيرًا من إعادة النظر، فالتطوير يحتاج إلى التحديث الذي يحتاج هو الآخر لاستحداث  صُندوق يُخصص ريعه نحو التكامل العربي في البحث العلمي تحديدًا.

وتابع نايفة لـ"الفتح" أن مصر مُهيئة بموقعها وجغرافيتها وتاريخها الحضاري والصناعي والبنائي أن تنهض؛ لكنها تحتاج إلى لغة الحوار بين الجميع حتى تصل للثورة العلمية والاقتصادية والصناعية، موضحًا أن الجامعات المصرية عليها أن تضع مستويات عدة من بينها تحسين المنتج النهائي بين الطالب والمعلم الذي أهمل عن عمد في دول العالم الثالث حتى نقضي على الواسطة والمحسوبيات، والاستفادة بالكفاءات وأصحاب الخبرة مع ضرورة ربط البحث العلمي بالصناعة، وكذا الجامعات بمراكز الأبحاث، وتحديث مكاتب علمية صناعية تحدد المشاكل ومعوقات الصناعة في المناطق الصناعية المتخلفة لإيجاد حلول لها على أرض الواقع، داعيًا الجميع للوقوف خلف مدينة زويل العلمية لما سيكون لها من تأثير كبير على ربوع الوطن العربي ومصر تحديدًا.

إسرائيل تخصص 5%

وبخصوص كيفية الاستفادة من العقول والخبرات المصرية المهاجرة يرى الدكتور هاني الناظر أستاذ الأمراض الجلدية ورئيس المركز القومي للبحوث السابق، أن البحث العلمي يحتاج إعادة هيكلة من جديد.

وتابع الناظر لـ"الفتح" أن مصر في حاجة ماسة لتصحيح أوضاع البحث العلمي، فمن غير المعقول أن العدو الصهيوني  يكون هو الأول على مستوى العالم، إذ يُنفق 5% من الدخل القومي على البحث العلمي، مقارنة بأمريكا التي تخصص 3.5% من الدخل القومي على البحث العلمي، مشيرًا إلى أن الكيان الصهيوني عمل منذ نشأته عام 48 على تأسيس معهدين للأبحاث هما (وايزمان وبن جوريون).

وأضاف أن الاتحاد السوفيتي عقب انهياره مطلع تسعينيات القرن الماضي، استقدم الكيان الصهيوني الخبراء والعلماء الروس في شتى مجالات العلوم، وخاصة علماء الطاقة النووية الذين عرضوا أنفسهم على دول العالم، واستفادت منهم كذلك إيران، بخلاف مصر التي تركت الأمر للمجال الفني –إن صح تسميته بالفن- ليطغى على الساحة، فاجتذبت "راقصات" روسيات حتى اشتهرن في إحدى البرامج الشهيرة فيما عُرف آنذاك على شاشة القناة الأولى بـ "في هذا المساء" الذي قدمه "س- ص".

ولفت إلى أن مصر تحتاج إلى استحداث وزارة خاصة للعلوم والتكنولوجيا، مهمتها الرئيسية ربط البحث العلمي بالجامعات والمناطق الصناعية على مستوى الجمهورية على أن يتم دمج وزارة التربية والتعليم مع التعليم العالي والبحث العلمي في مسمى واحد يسمى وزارة التعليم، مع إلغاء وزارة الدولة للبحث العلمي، وربط جميع الباحثين على مستوى الجمهورية في كيان واحد.

وقال الرئيس السابق لمركز البحوث: "إنه من غير المعقول أن يغيب التنسيق بين مراكز البحوث والجامعات، فقد تجرى تجربة أو بحث في مركز ومثيلتها  في مركز آخر"، متعجبًا من المسئول عن تفتيت الأفكار وعدم ربطها ببعضها على شبكة موحدة تكون مخصصة للباحثين، مطالبًا بمزيد من الاهتمام وتطبيق معايير البحث العلمي، وعلى الحكومة أن تبدأ في كيان واحد تحت مسمى "وزارة العلوم والتكنولوجيا" ينبثق من خلالها مجلس البحوث والتطوير يضم مجموعة من كبار الأساتذة في كل المجالات في الطب والصيدلة والهندسة والعلم والزراعة مهمتهم وضع رؤية للبحث العلمي ويبحثون عن المشاكل ثم يضعون الحلول المناسبة للقضاء على الظواهر السلبية التي تهدد الصناعة.

مصر تخصص 0.5%

وشدد أستاذ الأمراض الجلدية على أن مصر تخصص 0.5% من الدخل القومي على البحث العلمي رغم أن الدستور في مادته 23 ينص على أن تزداد إلى 3% سنويًا حتى تصل للمستوى العالمي والمأمول، مطالبًا الدولة بتسهيلات خاصة مثل الإعفاءات الضريبية لتشجيع المصانع والشركات أن تضخ استثماراتها في البحث العلمي بدافع إرجاع الأمور لحقيقتها مثل الهيكلة الإدارية، فلدينا مثلا 40 مركز بحوث ولا يوجد تنيسق بينهم، ونعمل بالقانون 72 ونمتلك ذخيرة علمية كبيرة تقدر بنحو 130 ألف باحث في الداخل و36 ألفًا في الخارج، ورغم هذا نعاني بشدة من سوء المناخ العلمي في الداخل، والطعن في باحثي الخارج، إضافة إلى ضرورة التسويق  واستخدام البحوث والتطوير، مشيدًا بتجربة عالم الكيمياء الراحل الدكتور أحمد زويل الحائز على "نوبل" بعد تأسيسه علم جديد "الفيمتو ثانية"، مؤكدًا أنه عالم كبير موهوب علميًا وفكريًا ولكنه لو لم يسافر لأمريكا لَما حصل على نوبل.

براءة واحدة

وكشف أن تل أبيب سجلت العام الماضي 3 آلاف براءة اختراع عالمي مقارنة بمصر التي سجلت براءة واحدة على مستوى العالم، مطالبًا بضرورة الاستفادة من مشروع "الطريق إلى نوبل" الذي استحدثه زويل عندما كان رئيسًا للمركز مع ربط البحوث المصرية بنظيرتها العالمية بدلًا من تزييف العقول، وتسهم فيها الدراما بطرقها المعهودة فتُظهر الباحثين على أنهم "معقدين نفسيًا" وتلازمهم مشاكل حياتية ومنعزلين عن أقرانهم، بينما تصور البلطجية ومن "يتعاطَى أو يشرَب" بـ"الأسطورة"، في إشارة منه إلى الدراما الرمضانية التي تورث الشباب الخروج عن النص!.

أصحاب الأمانات

وقال الدكتور محمود عبد المنعم أستاذ التفسير في جامعة الأزهر ورئيس لجنة شئون القرآن الكريم بالدعوة السلفية، في الحقيقة يوجد فرق بين من لديه دين ويخشى ويخاف الله -عزو جل- وبين ضعيف الديانة الذي تضعف عنده الأمانة بل ربما تنعدم؛ وبالتالي لا يهتم بالأمة بل يعرقلها.

وأوضح عبد المنعم لـ"الفتح" أنه في مصر لا نمتلك برنامجًا تأهيليًا لاكتشاف النابهين أو النابغين وإعدادهم للاستفادة منهم، وبالتجاوز عن كل ما سبق فمن يجد ابتكارًا ويتوجه إلى المسئولين يجد من يحاربه، مشيرًا إلى وجود حرب ضروس على المبتكرين والنابغين إما لتطفيشهم أو خوفًا من إزاحة مرءوسيهم، فلا يوجد تقدير للإنسان بسبب الفساد؛ موجهًا رسالة عزاء أن رحيل العالم المصري الكبير الدكتور أحمد زويل يُعد خُسارة كبيرة لمصر والعرب والمسلمين في ربوع العالم.

وطرح أمثلة لبعض الشركات التي يعمل بها أصحاب مهن مختلفة وتشغل أمورا أخرى، فني تحاليل يعمل في وظيفة أخرى وطلب من مديري الشركة تحويله إلى المعامل الخاصة لكنهم رفضوا رغم تكبدهم 8 آلاف جنيه شهريًا لهذا السبب.

وكما يقول الشاعر:

مَتى يَبلُغ البُنيانُ يَومًا تَمامَه ** إذا كُنت تَبنيهِ وَغَيرك يَهدِمُ
مَتى يفضل المَثري إذا ظَنَّ أنَّهُ ** إذا جادَ بِالشَيءِ القَليلِ سَيعدمُ
مَتى يَنتَهي عَن سيء مِن أتى بِهِ ** إذا لَم يَكُن مِنهُ عَلَيهِ تَندَمُ

وحول استنزاف العقول ورفضها العودة إلى البلد الأصلي، قال: "إن هذه مأساة في مصر ويحتاج الأمر لمعنى الأمانة لتعميق الأمر لدى الناس ونخشى على أوطاننا وبلادنا من المخاطر، وعليهم أن يؤمنوا بأن الرزق هنا مثلما هو رزق هناك، ومصلحة البلد هنا"، موضحًا أن الأصل في السفر إلى بلاد الكفر المنع، إلا إذا انطبقت ثلاثة شروط (علم يدفع به الشبهات حتى لا يفتتن في دينه، وأن يكون عنده دين وتقوى لله -عز وجل- يتقي به الشهوات، وأن يذهب لتحصيل علم ليس عند المسلمين؛ ليرجع وينفع به أمته أو لعلاج أو نحو ذلك).

إعادة هيكلة

ومن جانبه طالب اللواء مهندس هاني أباظة وكيل لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس النواب والسكرتير العام المساعد لحزب الوفد، بضرورة هيكلة التعليم قبل وبعد الجامعي.

وأضاف أباظة لـ"الفتح" أن التعليم الجامعي يغرد خارج السرب وهيئة ضمان جودة التعليم أصبحت مظلة كبيرة للفساد بسبب سوء الإدارة، لافتًا إلى أنه لا يوجد معيار منضبط  لمؤشرات الأداء؛ فالمنتج الجامعي لا يحقق المنافسة ولا آمال المصريين ولا يستطيع أن يحقق التنمية المستدامة ، مطالبًا بضرورة فصل المخطِّط عن المنفذ بعيدًا عن مقيِّم الأداء، كاشفا أن فضيحة تسريبات الثانوية العامة كشفت الوجه القبيح للفساد، وأن مافيا التعليم الخاص خارج سيطرة الدولة، متسائلًا كيف يستقيم البحث العلمي خلف كل هذه المنظومة؟!