منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، تستميت موسكو للسيطرة على مدينة ماريوبول شرقي أوكرانيا، عبر معارك مستمرة وقصف متواصل حتى باتت أحد أكثر ساحات المعارك، ما أرجعه محللون لثلاثة أسباب أبرزها خلق ممر بين القرم ودونباس، وكذلك خنق اقتصاد كييف، وضم مدن الشرق تباعًا، للسيطرة على كامل الحدود الشرقية لروسيا، ورغم استيلاء موسكو على أجزاء من ماريوبول، فإنّها تواجه صمودًا كبيرًا مِن قبل الجيش الأوكراني وبعض الكتائب العسكرية التي تعرف تكتيكات الروس، ومن ثمّ كانت عصية على الجيش الأحمر حتى اليوم، وبعد أسبوعين مِن حصارها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، مساء الأحد، منح أوكرانيا مهلة لمدة ساعات للردّ على طلب تسليم المدينة الساحلية، إلا أن الرد جاء سريعًا من قبل نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشتشوك، بأن "تخلينا عن مدينة ماريوبول وإلقاء السلاح أمر غير وارد".
ما هي ماريوبول
هي مدينة في الجزء الجنوبي الشرقي لأوكرانيا، تقع في جنوب إقليم دونباس بمقاطعة دونيتسك، كما تعد ميناء رئيسي على بحر آزوف، وتأتي الأهمية الأولى أنها امتداد جغرافي طبيعي للحدود الغربية لروسيا، ويسمح السيطرة على ماريوبول لروسيا بالربط بين قواتها في شبه جزيرة القرم وتلك الموجودة في المناطق الانفصالية في دونباس، ومن خلال متابعة الموقف، نرى أن روسيا بسيطرتها على خيرسون وماريوبول بجانب التحالف مع كامل إقليم دونباس، فإن موسكو تسعى لترسيم حدود جديد تسيطر فيه على كامل شرق أوكرانيا، كما أنها تطوق أوكرانيا من الشرق عبر دونباس والمدن الشرقية لأوكرانيا، ومن الشمال عبر أراضي بيلاروسيا وتتقدم نحو العاصمة كييف.
أكبر مشروع في دونباس
كما أن مدينة ماريوبول لديها عدد كبير من الشركات الصناعية الكبرى، بما في ذلك أكبر مشروع في دونباس - ايليتش الحديد ومصانع الصلب والأشغال المعدنية "Azovstal"، بالإضافة إلى حوض بناء السفن والصناعات الكيمائية وفحم الكوك والمواد الغذائية والصناعات النسيجية، كما بها أكبر شركات النقل والتجارة البحرية، وبها بجانب الميناء مطار ومحطة للسكك الحديدية ومحطات الحافلات والنقل بين المدن، وعدد سكان ماريوبول نصف مليون نسمة نصفهم روس و90% منهم يتحدث الروسية.
وتعد "ماريوبول" نقطة مهمة من الناحية الاستراتيجية لأنها اتصال محتمل للجسر البري الذي تخطّط روسيا له إلى شبه جزيرة القرم، والذي سيسمح بنقل المقاتلين والإمدادات والأسلحة بسهولة بين الموقعين، كما سيسمح الاستيلاء على ماريوبول لروسيا بقطع جميع موانئ البحر الأسود التي تستخدمها أوكرانيا، مما يعني أن أوكرانيا تفقد الوصول إلى الحبوب، والتي تعد واحدة من الموردين العالميين للمساعدات الإنسانية وشحنات الأسلحة، وهي محاصرة بشكل أساسي، وثالثًا تهدف روسيا أيضًا إلى إمكانية الوصول إلى المياه، وهي فكرة أساسية في استراتيجيتها منذ الحرب العالمية الأولى، مع الأخذ في الاعتبار أن تركيا منعت السفن الحربية الروسية من دخول بوسورث، الأمر الذي يضغط على القوات الروسية في سوريا".
وتعيش المدينة أوضاعًا مأساويةً في ظل انعدام الطعام والدواء وانقطاع الكهرباء أو المياه العذبة منذ الأيام الأولى للحرب التي اندلعت في 24 فبراير الماضي، وقال مسؤولون أوكرانيون في المدينة إن دفعات من القنابل تتساقط على المدينة كل 10 دقائق، بينما تنفي موسكو استهداف المدنيين، ملقية باللوم على "القوميين الأوكرانيين" في الوضع في ماريوبول.
ما سرّ الصمود؟
ويؤكد الخبراء أن سر صمود ماريوبول، بسبب وجود كتيبة آزوف المعروفة بمهاراتها في الاستطلاع والاستطلاع المضاد، بالإضافة لروح المقاومة القوية بشكل عام، وتستمد ماريوبول، وهي ثاني أكبر مدن دونيتسك التي اعترفت روسيا باستقلالها هي ولوغانسك في فبراير الماضي، أهميتها الاستراتيجية من موقعها الجغرافي، فهي عبارة عن أكبر ميناء على بحر آزوف المتصل بالبحر الأسود عبر مضيق كيرتش، ويقترب عدد سكان ماريوبول من نصف المليون نسمة، وبها نسبة كبيرة من الروس إلى جانب الأوكرانيين واليونانيين والبيلاروس والأرمن واليهود وغيرهم.
وبعد أحداث 2014 التي أطاحت بنظام فيكتور يانوكوفيتش، تحوّلت ماريوبول إلى إحدى ساحات المواجهة بين السلطات الأوكرانية الجديدة ومعارضيها. وفي أبريل 2014، أصبحت المدينة جزءًا من جمهورية دونيتسك الانفصالية (المعلنة من طرف واحد)، قبل أن تستعيدها السلطات الأوكرانية في يونيو من العام ذاته نتيجة عملية هجومية خاضتها قوات الجيش النظامي وأفراد كتيبة "آزوف" المشكلة من القوميين الأوكرانيين.
ومنذ ذلك الوقت، باتت ماريبول مركزًا عسكريًّا وسياسيًّا مُهمًّا للسلطات الأوكرانية على خط التماس بين طرفي النزاع المسلح في دونباس. واستضافت ماريوبول "بشكل مؤقت" إدارة مقاطعة دونيتسك الأوكرانية، نظرًا لبقاء مركزها (دونيتسك) تحت سيطرة الانفصاليين.