عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية: الهجرة علمتنا التخطيط وعدم العشوائية والعمل الجماعي وإدارة الأزمات

لابد من التوكل على الله ثم الأخذ بالأسباب كما فعل النبي في هجرته من مكة إلى المدينة

  • 43
الفتح - الشيخ محمود عبد الحميد، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية

قال الشيخ محمود عبد الحميد، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية: لا شك أن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت فاصلا بين مرحلتين، وبداية التمكين، مشيرا إلى الهجرة الواجبة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وكما قال الرسول: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"، ولكن هناك هجرة مستمرة وهي هجرة المعاصي، قال -صلى الله عليه وسلم- "والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، وهجرة الأرض التي فيها المعاصي، كما حدث في قصة الذي قتل 100 نفس؛ إذ نصحه العالم بأن يهجر أرضه إلى أرض كذا؛ لأن فيها قوم يعبدون الله فيعبد الله معهم، وهجرة أهل المعاصي؛ فإذا كانت الهجرة انتهت بفتح مكة، فإنه يبقى هجرة المعاصي، وهي واجبة إلى أن يرث الله الأرص ومن عليها. 

وأكد "عبد الحميد" -خلال كلمته في الندوة الجامعة للدعوة السلفية، تحت عنوان "وذكرهم بأيام الله - الهجرة وعاشوراء دروس وعبر"، والتي تنشر تفاصيلها كاملة في العدد الورقي من جريدة الفتح، غدا الجمعة- أن الهدف من مدارسة هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته أن نأخذ منها الدروس والعبر، أولا: توكل النبي على الله، وله جناحين أحدهم في القلب، والثاني في الجوارح، فهو يعتمد على الله ويثق به ويحسن الظن به، ثم يأخذ بالأسباب؛ فلابد للمسلم أن يتوكل بقبله على الله، وأن يأخذ بالأسباب، مثل: المريض يذهب إلى الطبيب، ويأخذ الدواء، ويدعو الله ويسأله الشفاء، موضحا أن توكل النبي كان ظاهرا في هذا الأمر، ومع ذلك أخذ بالأسباب الممكنة المتاحة، ويجب أن تكون مشروعة، ومن الأسباب: الإعداد الجيد ومكث سنين يعد ويدرس، إلا أنه حدثت ثغرات ليست بيده، ومن ذلك التخطيط الخروج من بيته في ساعة لن يصل فيها الكفار إليهم، ولكن وصل الكفار إلى بيته قبل السفر، ولكنه توكل على الله وخرج، فأغشاهم الله.

وأضاف: وخالف النبي الطريق في الهجرة؛ فبدلا من اتخاذ الشمال وهو الطريق المعهود في السفر من مكة إلى المدينة اتخذ الجنوب، وظل في غار ثورة ثلاثة أيام، ومع ذلك وصل الكفار إليه، وخشي أبو بكر وهما في الغار أن يروهم وقال: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، إن الله معنا"، كما لحقهم سراقة، ولم يكن مخططا أن يلحقهم لكنه استجاب لمكافأة قريش وهي 100 ناقة، فدعى النبي عليه فساخت أرجل الفرس في الأرض، وعلى مقربة من المدينة يخرج له بريدة بن الحصين ومعه 70 رجلا، بينما النبي معه أبو بكر وعامر والدليل على الطريق؛ فالنبي دعاه إلى الإسلام فأسلم الـ70 ، وهذا توفيق من الله.

وأوضح "عبد الحميد" أننا نتعلم من الهجرة التخطيط وعدم العشوائية؛ فالهجرة كانت قرارا مدروسا ومخططا له، أولا: جهز النبي المدنية وهي الأرض التي سيذهب إليها؛ فأرسل مصعب بن عمير ليجهزها فأسلم أناس كثر، ثانيا: بيعة العقبة الأولى والثانية لكي يوفروا له حماية داخل المدينة، وهي تهيئة للبلد التي سيهاجر إليها، وكانت عيون المشركين على النبي، فلو هاجر أولا لنكل المشركون بالمسلمين، فكان من التخطيط أن أمر بهجرة المسلمين أولا قبل أن يهاجر هو، ثم اختيار الرفيق، وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وإعداد الدابة وأمر أبو بكر بإعدادها، ولم يقبلها هدية ولكن اشتراها بثمن، واختيار الوقت الذي سيخرج فيه، واستأجر دليلا وهو عبد الله بن أريقط، وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمع كيف يفكر كفار قريش ويبني خطته على ذلك، ثم كان عامر بن فهيرة يمحو الأثر بالغنم، حتى لا يتتبعهم الكفار، ويحلب الشاه ويأتي باللبن للنبي، وتجهيز الطعام عن طريق أسماء بنت أبي بكر، وكل ذلك مع أنه كان من السهل أن ينقل الله النبي إلى المدينة كما نقله إلى بيت المقدس، لكنه كان من باب التشريع، وتعليم الأمة كيفية الخطيط والعمل.

وأشار إلى أهمية العمل الجماعي في نجاح الهجرة؛ فالفرد لا يقيم جماعة، ولكن المجموعة تحقق الهدف؛ فالجهد الجماعي المدروس أدى إلى نجاح الهجرة، وذلك بإسناد الأدوار إلى أعضاء المجموعة، وكل فرد له دور محدد ومعلوم، وكذلك الثبات والصبر على الصعاب، وتحمل المشقة، ومواجهتها بثبات ولم يتزحزح، فلابد من الثبات العظيم والصبر والقدرة على التحمل، والمواجهة. فالنجاح والوصول إلى الهدف لا يتحقق إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى، والنبي أخذ بكل الأسباب إلا أن المشركين وصلوا إلى الغار، لكن توفيق الله أغشى أعينهم فلم يروا النبي، فكان توفيق الله ومشيئته.

ولفت عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، إلى أننا نستفيد من الهجرة كذلك التبشير وقت الأزمات، فلا نجتر في الأزمة الأحزان بل يجب أن نبشر، وهو فعل النبي، ومنه: أنه قال لسراقة "ارجع ولك سواري كسرى"، وقال لأبي بكر "ما بالك باثنين الله ثالثهما؟"، والتبشير ومستقبل الدين ووعد الله بالنصر والعزة للمؤمنين، دائما في وقت الأزمات بشروا الناس بالخير والجزاء على الصبر، ومن ذلك تبشير النبي في أثناء حفر الخندق بفتح فارس وهزيمة الروم، وأخيرا إدارة الأزمة، وصبر النبي على الأذى، وتحمل من الكفار الكثير، وعانى معاناة شديدة، ولكنه صبر ولم يصطدم، ولابد من مراعاة القدرة والعجز، ولكل منهم فعل وسلوك.