• الرئيسية
  • منوعات
  • آفاق دعوية
  • شيخ الأزهر السابق: إقامة الموالد وتشييد المقامات وبناء المساجد على القبور والصلاة عندها خروج عن حدود الدين وإنفاق للمال في سبيل الشيطان

شيخ الأزهر السابق: إقامة الموالد وتشييد المقامات وبناء المساجد على القبور والصلاة عندها خروج عن حدود الدين وإنفاق للمال في سبيل الشيطان

  • 511
الفتح - الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر السابق

سئل الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر السابق، رحمه الله، عن حكم إقامة الموالد للمشايخ ووضع الشمع والقناديل على مقاماتهم، فأجاب تحت عنوان "ابتداع الموالد في عهود التأخر"، قائلا: أما وضع الشمع والقناديل على مقامات الأولياء وكسوتها، فينبغي أن يُعرف أولا أن الدين الحق لا يعرف شيئا يقال له (مقامات الأولياء) سوى ما يكون للمؤمنين المتقين عند ربهم من درجات.

جاء ذلك في كتاب الفتاوى لشيخ الأزهر السابق (ص: 195) طبعة دار الشروق (ط: 18) عام 1421ه‍ الموافق عام 2001م، مضيفا أن لهم قبورا كقبور سائر المسلمين، يحرم تشييدها وزخرفتها، وإقامة المقاصير عليها، كما تحرم الصلاة فيها وإليها وعندها، وبناء المساجد من أجلها، والطواف بها ومناجاة من فيها والتمسح بجدرانها وتقبيلها والتعلق بها، ويحرم وضع أستار وعمائم عليها، ويحرم إيقاد شموع أو ثريات حولها.

وأكد شيخ الأزهر السابق، أن ما يتهافت الناس عليه ويتسابقون فى فعله على أنه قربة لله أو تكريم للولى خروج عن حدود الدين، ورجوع إلى ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى، وارتكاب لما حرمه الله ورسوله فى العقيدة والعمل، وإضاعة للأموال فى غير فائدة، بل فى سبيل الشيطان وسبيل للتغرير بأرباب العقول الضعيفة واحتيال على سلب الأموال بالباطل.

وإليكم نص فتوى الشيخ محمود شلتوت كاملة من كتاب الفتاوى من (ص 193 : 195) طبعة دار الشروق:

الموالد: هي هذه الحفلات الصاخبة، أو المجتمعات السُّوقية العامة، التي ابتدعها المسلمون في عُهودهم المتأخرة باسم تكريم الأولياء وإعلان قدْرهم ومكانتهم، عن طريق تقديم النُّذُور والقرابين وذبْح الذبائح، وإقامة حفلات الذكْر، وعن طريق الخُطب والقصص والمناقب والأناشيد، التي تُصور حياة الولِيِّ، وتَصِف تنقُّله في معارج الولاية، وما يتحدث به الناس عنه، ويُضاف إليه من كشْفٍ وخوارقَ وكراماتٍ.

تُقام تلك الحفلات لأولياء المُدن، ولكثير من أولياء القرى، وقد تُقام حفلة الميلاد في السنة الواحدة للولي الواحد مرتينِ فأكثر، ولهذه الموالد على العموم عُشاق يضعونها في مَصافِّ الشئون الدينية التي يتقرَّبون بها إلى الله عن طريق الولِي، فيَحفظون تواريخها، ويُهيئون طول العام لها، حتى إذا ما حلَّ وقتُها تراهم يَحزمون أمتعتهم، ويَرتحلون بقَضِّهِم وقَضِيضِهِمْ، برجالهم ونسائهم، بشيوخهم وشُبَّانهم، ويُلقون بأحمالهم ـكما يقولونـ على شيَّال الحمول صاحب المولد، تاركينَ بُيوتهم ومَصالحهم في قُراهم ومزارعهم مدةً تتراوح بين أسبوع وأسبوعين.

والمشايخ الأولياء، من جهة تعلُّق الناس بهم، والعناية بمَوالدهم، على قِيَمٍ مختلفة ودرجات متفاوتة، فمنهم مَن يَعْظُمُ عند الناس جاهُه، ويمتد في نظرهم سلطانه، ويتسع صدره لكل لونٍ من ألوان الحياة، ولكل رغبةٍ مِن رغبات الطوائف، حتى لقد تَرَى حفلات المُقامرين والمقامرات بجانب حفلات المُدمنين والمدمنات، وبجانبها حفلات الذاكِرينَ والذاكرات، والخلِيعين والخليعات، والراقصين والراقصات، ويَجُوسُ خلال الجميع المُتسوِّلون والمُتسولات، والنشَّالون والنشالات، وكل ذلك يُصنع في الموالد، وعليه تُقام، وإليها يُهرع الناس باسم الولاية وتكريم المشايخ.

مباءة للمفاسد: ومهما قال عُشاق الموالد، والمُتكسبون بها ومُروِّجوها، من أن فيها ذِكْرَ الله والمَواعظ وفيه الصدقات، وإطعام الفقراء، فإن بعض ما نراه فيها ويراه كل الناس، من ألوان الفُسوق وأنواع المَخازي، وصور التهتُّك، والإسراف في المال، ما يُحتِّم على رجال الشئون الاجتماعية، وقادة الإصلاح الخُلقي والديني المبادرة بالعمل على إنْهائها ووضْع حدٍّ لمَخازيها، وتطهير البلاد مِن وَصْمَتِهَا، ولقد صارت بحقٍّ، لسُكوت العلماء عنها، مباءةً عامة تُنتهك فيها الحُرمات، وتُراق في جوانبها دماء الأعراض، وتُمسخ فيها وُجوه العبادة، وتُستباح البِدَعُ والمُنكرات، ولا يقف فيها أرباب الدِّعارة عند مظهر أو مظهرين من مظاهر الدعارة العامة، وإنما يُنكرون ويَبتدعون ما شاء لهم الهوَى من صور الدعارة المُقوِّضة للخُلق والفضيلة.

ومِن أشد ما يُؤلم، أن نرى كثيرًا من تلك المناظر الداعرة تُطوِّق في المدن معاهدَ العلم والدين ومساجد العبادة والتقوى، على مَسْمَعٍ ومرأى من رجال الدين أرباب الدعوة والإرشاد.

أما وضع الشمع والقناديل على مقامات الأولياء وكسوتها، فينبغى أن يعرف أولاً أن الدين الحق لا يعرف شيئاً يقال له (مقامات الأولياء) سوى ما يكون للمؤمنين المتقين عند ربهم من درجات، وإنما يعرف كما يعرف الناس أن لهم قبوراً، وأن قبورهم كقبور سائر موتى المسلمين يحرم تشييدها وزخرفتها، وإقامة المقاصير عليها (4)، وتَحرم الصلاة فيها وإليها وعندها، وبناء المساجد من أجلها، والطواف بها ومناجاة من فيها والتمسح بجدرانها وتقبيلها والتعلق بها.

ويَحرم وضع أستار وعمائم عليها، ويحرم إيقاد شموع أو ثريات حولها، وكل ذلك مما نرى ويتهافت الناس عليه ويتسابقون فى فعله على أنه قربة لله، أو تكريم للولى خروج عن حدود الدين، ورجوع إلى ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى، وارتكابٌ لما حرمه الله ورسوله فى العقيدة والعمل، وإضاعةٌ للأموال فى غير فائدة، بل فى سبيل الشيطان، وسبيل للتغرير بأرباب العقول الضعيفة، واحتيالٌ على سلب الأموال بالباطل 

أما بعدُ: فهذا هو حُكم الدين في الموالد، وهذا هو حكمه فيما يُصنع بمقامات الأولياء، فمَتى يتنبَّه المسلمون وبعودون إلى الهدى الحق؟ ويتقرَّبون إلى الله بمَا يرضاه الله وبما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقرَّب به إليه أولياؤه: {الذين آمنوا وكانوا يتَّقون}.