• الرئيسية
  • مواد مميزة
  • "برهامي" عن واقعة الإسكندرية: أربعة أنواع من العهود بين المسلمين والكفار وجميعها تثبت بها عصمة الدم والمال والأعراض

"برهامي" عن واقعة الإسكندرية: أربعة أنواع من العهود بين المسلمين والكفار وجميعها تثبت بها عصمة الدم والمال والأعراض

  • 250
الفتح- الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية

قال الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، تعليقا على ما حدث في من قتل للسياح الإسرائيليين في الإسكندرية خلال الأيام الماضية: إن الله -عز وجل- حرم قتل نفوس الكفار المعاهدين من أهل الكتاب وغيرهم، ويجب الوفاء بالعهود والالتزام بها، ولا يجوز نقضها إلا إذا نقضوها هم ابتداء أو تم إبلاغهم بنقضها -في العهود المطلقة- أو انتهاء المدة -في العهود المؤقتة-. والذي يقرر نقض العهد هو الحاكم وليس آحاد المسلمين، موضحا أنه ورد في الكتاب والسنة أربعة أنواع من العهود بين المسلمين والكفار، كل واحد منها يثبت به للكفار عصمة الدم والمال والأعراض، وهذه الأنواع هي: الأول: عقد الذمة وهو عقد مؤبد، وهو لازم للمسلمين ما التزم به الكفار، وبدفعهم الجزية تثبت لهم حقوق في حفظ الدماء والأعراض، لقول الله -عز وجل-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، وهذا هو العقد الذي عقده النبي -صلى الله عليه وسلم- مع نصارى نجران، وعقده أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع نصارى بيت المقدس والشام عند فتحها.

وأضاف: والنوع الثاني: العهد المطلق بغير تحديد مدة ولا دفع جزية، وهو جائز، وهو العقد الذي عقده النبي -صلى الله عليه وسلم- مع يهود المدينة عند قدومه إليها، ويهود خيبر بعد فتحها. 

والنوع الثالث: العقد المؤقت وهو عهد المدة المحددة، وهو المذكور في قوله -تعالى-: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]، وهو العقد الذي عقده النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين ومن دخل معهم في عهدهم في الحديبية، فعقد مع قريش عهدا رغم كفرهم وصدهم عن المسجد الحرام، والتزم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعهد، حتى نقضوه هم. 

والنوع الرابع: عهد الأمان، ومثال ذلك دخولهم بلدا بإذن أو تأشيرة أو زيارة؛ وهؤلاء السياح قد منحوا إذنا للدخول من الحكومة الرسمية، ولم يدخلوا محاربين. وأضاف "برهامي" أننا ينبغي أن نتعامل معهم كما تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع رسل الكفار. 

وتابع "برهامي": وفي هذا النوع من العقود قول الله -تعالى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]، فهؤلاء قد أخذوا الأمان ويجب على باقي المسلمين الالتزام به. ومنهم من دخل البلد للتجارة ودخل بإذن رسمي، كما في قصة توبة كعب بن مالك "... إذَا نَبَطِيٌّ مِن نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ يقولُ: مَن يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ له إلَيَّ، حتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا مِن مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّه قدْ بَلَغَنَا أنَّ صَاحِبَكَ قدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بنَا نُوَاسِكَ ..." [صحيح البخاري]، فهذا النبطي داخل المدينة للتجارة بعهد أمان للتجارة؛ فمن يدخل بتأشيرة هم آمنون، وإذا أخطأ أحدهم تكون مسؤولية الدولة إلغاء التأشيرة وما إلى ذلك.

وأشار إلى أن هذه العهود المذكورة قد تكون في مدينة دون أخرى، كما في قصة إسلام أبي بصير ففي الحديث "ثمَّ رجعَ إلى المدينةِ فجاءَه أبو بصيرٍ رجلٌ من قُرَيْشٍ يَعني، فأرسَلوا في طَلبِهِ فدفعَهُ إلى الرَّجُلَيْنِ، فخَرجا بِهِ حتَّى إذ بلَغا ذا الحُلَيْفةِ نزَلوا يأكُلونَ مِن تمرٍ لَهُم، فقالَ أبو بَصيرٍ لأحدِ الرَّجُلَيْنِ: واللَّهِ إنِّي لأَرى سَيفَكَ هذا يا فلانُ جيِّدًا، فاستلَّهُ الآخرُ فقالَ: أجل قد جرَّبتُ بِهِ. فقالَ أبو بصيرٍ: أرني أنظر إليهِ فأمكنَهُ منهُ، فضربَهُ حتَّى بردَ، وفرَّ الآخرُ حتَّى أتى المدينةَ فدخلَ المسجدَ يَعدو فقالَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: لَقَد رأى هذَا ذُعرًا. فقالَ: قد قُتِلَ واللَّهِ صاحبي، وإنِّي لَمقتولٌ، فجاءَ أبو بصيرٍ، فقالَ: قَد أوفى اللَّهُ ذمَّتَكَ فقَد رددتَني إليهِم، ثمَّ نجَّاني اللَّهُ منهُم، فقالَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ويلَ أمِّهِ مسعرَ حربٍ لو كانَ لَهُ أحدٌ، فلمَّا سمعَ ذلِكَ عرفَ أنَّهُ سيردُّهُ إليهم، فخرجَ حتَّى أتى سيفَ البحرِ وينفلتُ أبو جندلٍ فلحقَ بأبي بصيرٍ حتَّى اجتمعت منهم عصابةٌ" [صحيح البخاري]، فيوضح الحديث أن العهد كان داخل المدينة، وبمجرد خروجه منها تصرف كما يرى، ولما عاد للنبي -صلى الله عليه وسلم- وعلم أنه سيرده إليهم خرج حتى أتى سيف البحر ومكث هناك مع مجموعة من أصحابه حتى طلب المشركون بأنفسهم من النبي أن يردهم لما لحقهم من أذى منهم بسبب الإغارة على قوافل قريش.

ونبه "برهامي" إلى أن هذه العهود الأربعة يجب علينا الوفاء بها ما لم تنقض أو تنتهي مدتها، ومنها عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع إسرائيل فهو ملزم لنا، حتى وإن رأى البعض أن شروطها مجحفة، ولكن هذا أقصى ما توصل إليه. متابعا: ولنا في صلح الحديبية وقفة، فقد عقد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قريش ميثاقا مع أنهم كفار وظالمون ومعتدون، وقد منعوا المسلمين من المسجد الحرام الذي هو أعظم من المسجد الأقصى، ولكنه أتم العهد والتزم به -صلى الله عليه وسلم-، بل وعاهدهم في صلح الحديبية وأتم العهد ووفى به. رغم أن مكة كانت دار إسلام منذ نشأتها بأمر الله لإبراهيم -عليه السلام- الذي أسكنها ذريته وليس فيها غير المسلمين، والمسلمون أولى بها كما قال الله -تعالى-: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34]؛ فالمسلمون أولى بمكة من المشركين، ومع ذلك عاهدهم النبي ووفى بالعهد وعندما دخلها ثلاثة أيام خرج منها بعدها؛ لأن العهد على ذلك، بل ولم يهدم الأصنام إلا عندما دخلها عنوة في فتح مكة، فيجب علينا الوفاء بالعهود لقول "دَعُوهُمْ، يَكُنْ لهمْ بَدْءُ الفُجُورِ، وَثِنَاهُ" [صحيح مسلم].

اقرأ أيضا: نائب رئيس الدعوة السلفية: الأقصى قضية عقيدة.. ومن يحاول أن ينسي الناس آيات القرآن لن يُفلح فالقرآن محفوظ من الله